خالد أباظة يكتب فى المصرى اليوم : «كذبة يناير» .. 80% انخفاضاً فى جمارك السيارات!
من السهل جدا أن «أضحك على الرأى العام»!.. إذا كنت صحفيا أمتلك «قلما» وأكتب فى «جورنال» يقرؤه الناس.. أو «مذيعاً» على شاشة قناة فضائية يشاهدها الملايين.. أو من خلال «راديو».. أو حتى «موقع إخبارى» على الـ«Social Media»!.
كلها وسائل إعلامية تتعامل مع «المواطن» ويمكنها بكل سهولة -لو أرادت- أن تخدع هذا المواطن البريء.. «كلمتين» تجعله فى قمة فرحته وتفاؤله.. و«كلمتين تانيين» قد يسببا له كثيرا من الإحباط واليأس والحزن.. «خبر» مسموع أو مقروء قد يقلب حياة هذا المواطن البسيط رأسا على عقب!.
بالفعل نحن قادرون على ذلك.. أن نجعلك متفائلاً أو متشائماً وتعيساً.. نرسم البسمة على وجهك أو نصيبك بحالة من الكآبة الشديدة والحزن البالغ.. «نلعب» بأحلامك وطموحاتك.. نجعلها قريبة جدا منك.. أو نبعدها عنك لمسافات طويلة جدا لتبدو لك سرابا وهميا!!..
أتحدث عن «الناس» التى تعمل فى مجال الإعلام بصفة عامة.. بفروعه العديدة ووسائله المختلفة.. لديهم بالتأكيد القدرة والسلطة فيما يتعلق بحالة المواطن و«مزاجه» ومعنوياته.. فى أعقاب تعامله مع الوسيلة الإعلامية.. واستقباله للأخبار والأنباء والتقارير والآراء.. والتى تكون غالبا شيء مصدق بالنسبة له.. لا يجادل فى صحتها ولا يشكك فيها.. وأحيانا لا يعقلها أو «يوزنها» للأسف الشديد.. فقط يصدقها ويتعامل معها وينقلها بدوره للأصدقاء والأقارب والمعارف.. فإذا كان الخبر كاذبا أو مضللا أو محرفا أو مغرضا.. صار حقيقة وواقع لدى الناس جميعا.. لنصبح أمام «شائعة كاذبة» تتحول أمام أعيننا جميعا لأمر واقع يجب أن نتعامل معه لفترة ليست قصيرة.. إلى أن تثبت الأيام وحدها عدم صحتها ولا مصداقيتها!..
عفوا للمقدمة الطويلة.. ولكنها كانت لازمة وواجبة ليكتمل «غرضى من المقال».. لتصل «نصيحتى» للناس بأن يفكروا قليلا ويحكموا عقولهم قبل أن يصدقوا أخبارا تصل إليهم عبر أى وسيلة إعلامية.. بعض التفكير والتحليل والعقلانية لأننا أحيانا نكون أمام «خبر خيالى» ولكن الناس تريد أن تصدقه لأنه يمس حلما فى داخلها و«أملا فى بكرة».. رغم أنه فى الحقيقة غير منطقى أو غير قابل للتنفيذ أبدا على أرض الواقع!
يوم الاثنين الماضى استيقظنا جميعا على خبر «ولا أجمل» تم نشره على أحد المواقع الإخبارية على الأون لاين.. الخبر يقول بصراحة ووضوح وبدون لف ولا دوران.. أن السيارات الأوروبية الأصل سوف تنخفض أسعارها بمقدار 80% ابتداء من يوم 1 يناير القادم!.
معقولة؟.. بالتأكيد هو أسعد خبر فى التاريخ للمواطن المصرى.. خلاص أحلامنا فى اقتناء أفخم وأجمل السيارات سوف تتحقق.. باقى أياما قليلة.. السيارات الألمانية يعنى قصدهم مرسيدس وBMW وفولكس؟.. لا ده فيه كمان ڤولڤو وفورد وأودى.. طب چاجوار ولاندروڤر داخلين فى مهرجان التخفيضات ده ولا خروج إنجلترا من الاتحاد الأوروبى يمنع؟.. أنا نفسى فى الـX3 بتاعت BMW.. كده سعرها حايكون حوالى 180 ألف جنيه.. معقول أوى والله.. و«طظ» فى سيارات كيا وهيونداى التى تبدأ أسعارها بـ300 ألف جنيه.. يورونى بأه حايبيعوا لمين؟!.. ممكن برضه أفكر فى مرسيدس «E-Class» الشكل الجديد.. حاتزيد شوية عن 200 ألف جنيه بس تستاهل.. النجمة الفضية برضه بتعيش.. وبعدين فلوسها فيها! الولد فى الجامعة نجيبلوا حتة «تيجوان» بـ١٠٠ ألف جنيه والبنت ممكن فورد فوكاس من أبو 70 ألف جنيه وفقا للأسعار الجديدة!!..
يا سادة الكلام ده ليس وهما ولا سرابا.. والله حدث فى بعض البيوت ودار بينى وبين العديد من الناس و«الموظفين» داخل المصالح الحكومية والبنوك والشركات الخاصة.. وحتى طلاب الجامعات!.. السبب هو «خبطة صحفية» متميزة أراد الموقع الإخبارى أن يفجرها ليحصل على أعلى نسبة قراءة ومشاهدة.. ونجح طبعا فى الحصول عليها ولكن على حساب أحلام وطموحات الناس الأبرياء.. الكارثة أن بعض المواقع الأخرى -الأكثر شهرة ومصداقية- نقلت الخبر على مواقعها.. لينتشر أكثر ويؤثر فى أعداد أكبر من الناس والمواطنين!..
المشكلة أن الخبر المنشور جاء على لسان مسؤول حكومى كبير.. لذلك صدقه الناس و«جروا وراءه».. وإليكم مقدمة الخبر كما جاءت على الموقع الإخبارى: «قال الدكتور مجدى عبد العزيز رئيس مصلحة الجمارك أن الضريبة الجمركية على السيارات ستنخفض 80% بداية من شهر يناير المقبل وهذا بالنسبة إلى السيارات التى تأتى من دول الاتفاقيات مثل ألمانيا.. وأضاف خلال لقائه على فضائية الحياة أن السيارات التى تأتى من دول خارج الاتفاقيات فإن الضريبة عليها كما هى 135%»
هذا هو نص الخبر كما نشر.. طبعا مفهوم منه أن الجمرك سينخفض 80% «خبطة واحدة» من أول يناير.. وعلى لسان مسؤول حكومى كبير وليس «نصاب» ولا واحد «متخلف عقليا».. وانتظر الناس فترة ولم يخرج أحد لينفى الخبر من وزارة المالية مثلا أو مصلحة الجمارك.. إذا فهو سليم.. ونحن أمام تخفيض تاريخى فى أسعار السيارات يفوق حتى عرض الأحلام الذى سمعنا عنه مرة فى أمريكا وكان «اشترى سيارة واحصل على الثانية مجانا».. لا نحن تفوقنا على عروض وأحلام الأمريكان!!
أما الحقيقة يا سادة.. والتى ضاعت بين سطور الخبر فى مختلف المواقع.. وبين عيوب «صياغة الخبر» ولا ندرى إذا كانت مقصودة أو «غلطة بريئة».. هو أن نسبة التخفيض فى جمارك السيارات الأوروبية المنشأ ستبلغ فعلا 80% مع بداية العام القادم.. ولكن هى الآن 70% لأنها تنخفض 10% من الجمرك كل عام.. ونحن بقالنا 7 سنوات وأكثر فى «الموال ده».. وليس جديدا علينا.. وكل التخفيض سيكون 10% من قيمة جمرك السيارات فى أول يناير.. أى حوالى 2% من السعر الإجمالى للسيارة 1600 وحوالى 6% من سعر السيارات الفارهة فوق 2000 سى سى.. وفى المقابل سوف تزيد ضريبة القيمة المضافة على السيارات 1600 من 14% حاليا (13% + 1% جدول) إلى 15% (14% +1% جدول) مع بداية العام الجديد.. بخلاف الزيادة الدورية التى تطبقها الشركات الأم مع بداية كل عام على أسعار السيارات التى تخرج من مصانعها لأسواق العالم المختلفة.. وتكون ما بين 1 إلى 4% حسب السوق وحجم مبيعاته وأوضاع المنافسة داخله..
يعنى بالبلدى كده.. مافيش انخفاض فى أسعار السيارات الأوروبية فى يناير القادم.. الحلم لا يزال سرابا.. الضرائب والتكاليف والمصروفات والزيادات.. «واكله» أى تخفيض جمركى.. «معلش».. لم أكن أريد أن «أقطع» عليكم أحلامكم وأوهامكم فى السيارات المخفضة و«الألمانى» أبو تخفيض 80% من أول يناير.. وربنا يسامح «المواقع الإخبارية» و«الخصومات الوهمية»!!..