قيادة السيارات الكلاسيكية متعة الإماراتيين
مع تزايد هواة السيارات الكلاسيكية، بات من المألوف رؤية طابور في الشوارع الإماراتية يضم المئات من السيارات القديمة والنادرة بأنواعها وأشكالها، إذ يخرج ملاك تلك السيارات يجوبون المدن احتفالا بمناسبة أو عيد أو للمشاركة في مهرجان تراثي أو مخصص للسيارات الكلاسيكية التي لا يتوقف تنظيمها في جميع أنحاء الإمارات حتى أصبحت هذه العربات مصدر فخر كامتلاك حصان عربي أصيل.
ومع حلول عام 2019 شاركت السيارات النادرة في مهرجان سلطان بن زايد التراثي في دورته الـ31. كما نظمت دائرة السياحة والآثار بأم القيوين خلال هذا الأسبوع مهرجان السيارات الكلاسيكية بمشاركة أندية السيارات النادرة من كل الإمارات.
وقالت علياء محمد الغفلي، مدير عام دائرة السياحة والآثار بأم القيوين، إن تنظيم مهرجان السيارات الكلاسيكية يتيح للزوار مطالعة عدد كبير من السيارات قديمة الطراز التي حرص ملاكها على الحفاظ عليها وإبقائها بأفضل حال لتكون شاهدا على مراحل مهمّة من تاريخ أبناء الإمارات.
وأضافت، أن هواية امتلاك السيارات القديمة من الهوايات الشائعة لدى الكثير من الإماراتيين الذين يسعون باستمرار للحصول عليها، باعتبارها ترمز إلى مراحل زمنية سابقة، وقد أصبحت مهرجانات السيارات الكلاسيكية من المعالم الرئيسة في أغلب المهرجانات في البلاد.
وتجذب هواية السيارات النادرة كل عام عددا كبيرا من الهواة الجدد. ويقدّر عدد مقتني تلك العربات بالآلاف، على الرغم من الكلفة الكبيرة لهذه الهواية، إذ تتكلف كل سيارة مبالغ بعشرات الآلاف من الدولارات، إضافة إلى رحلة البحث عن قطع الغيار والترميم والصيانة وتكاليفها.
ومع عشق اقتناء هذه السيارات النادرة، اهتم الشباب بترميمها وصيانتها والحفاظ عليها في شكلها القديم سواء من الناحية الجمالية أو الميكانيكية، كما انتشرت معارض هذه الأيقونات الميكانيكية في كل أنحاء الإمارات.
ويقول محمد حسن الطاهري (55 عاما) من عجمان، إن عشقه للمرسيدس قاده إلى اقتناء العديد من السيارات الكلاسيكية، “بدأ عشقي للسيارات النادرة منذ ثمانينات القرن الماضي، حيث كان جدي يمتلك سيارة مرسيدس 280س موديل 1965، ثم اشترى في ما بعد مرسيدس 6.9 سنة 79، وتعلقت بها، فقد كانت غريبة عما أشاهده من السيارات في ذلك الزمن، لذلك حافظت عليها وبدأت أجمع ما يشابهها ولا تزال موجودة عندي”.
ويضيف، أن كل سياراته النادرة من فئة المرسيدس، وتعود إلى السنوات التي تراوح بين 1956 و1986، مبيّنا سبب اختياره لنوع المرسيدس لأن صيانتها ممكنة والقطع متوافرة، مضيفا أنه يستمتع بقيادة إحداها في إجازته الأسبوعية.
وممن ورث هو الآخر عشق السيارات عن والده، صلاح طاهر الحاج الذي يملك سيارات نادرة إحداها من نوع مرسيدس أنتجت عام 1958 وفولكسفاغن المصنوعة في عام 1972. ومنهم أيضا نزار مدني الذي يملك أكثر من 30 سيارة، مؤكدا أنه يجمع تلك السيارات كهواية ومتعة، وليس من أجل المال فقط.
وتعتمد قيمة السيارة النادرة وسعرها عادة على عمرها، ومتانتها واحتفاظها بصلابة تصنيعها وتسلسل أرقام قطع غيارها التي تؤكد أصالتها دون أن يطالها أي تغيير على هيئتها الأولى.
ويوجد نظام تسجيل خاص لمثل هذه السيارات في الإمارات، بحيث أنّه لا يسمح أن تتم قيادتها في شوارع الإمارات حتى يتم تعديل القواعد التي تحكم عملية التسجيل لتتوافق مع المقاييس العالمية. وبمساعدة هذه القواعد، تتمكن السيارات الكلاسيكية من التسجيل لإمكانية قيادتها في شوارع وطرق الإمارات مع وجود محددات معيّنة تعتمد على مواصفات السيارة، ويتم استخدام هذه السيارة بدرجات متفاوتة بشرط تخطيها مقاييس السلامة.
وتفحص السيارة الكلاسيكية فحصا مسبقا حتى يتم تسجيلها للاستخدام في طرق الإمارات. ويتضمن هذا الفحص مراحل مختلفة، بدءا بالتأكد من توفر تجهيزات السلامة القياسية وصولا إلى الحالة العامة للسيارة.
وتسري القواعد التي تحكم استيراد السيارات في حال كانت السيارة مشحونة من بلد آخر. كما يساعد الفحص على تحديد ما إذا كانت السيارة صالحة بشكل كاف للقيادة على طرق وشوارع الإمارات، وتحديد ضمن أي فئة من فئات السيارات الكلاسيكية سيتم إدراجها. ويتم تسجيلها بمجرد الانتهاء من هذا الفحص ثم يتم توفير لوحة ترخيص خاصة تؤكد أن هذه السيارة هي سيارة كلاسيكية.
متعة قيادة فريدة
على الرغم من أن هواة السيارات الكلاسيكية يستمتعون بقيادة سياراتهم في الشوارع خلال العطل الأسبوعية والمناسبات، إلا أن البعض ممن لا يملك هذه السيارات يعتقد أن امتلاك سيارة قديمة وقيادتها ليست بالفكرة الصائبة من ناحية السلامة المرورية التي تضمنها السيارات الحديثة.
لكن قيادة السيارة الكلاسيكية تجعل السائق يحظى بشيء خاص للغاية، وهذا ما يقوله مازن الخطيب، الرئيس التنفيذي لشركة “نوستالجيا” للسيارات الكلاسيكية في دبي.
ويشير الخطيب إلى أنه كان دائما شغوفا بالسيارات الكلاسيكية، حيث بدأ في جمعها منذ 2004، ونجح في جمع مجموعة كبيرة من هذه السيارات منها “فورد تي” موديل عام 1923 وسيارة “فيراري 512 تي آر” موديل 1993، إلى جانب سيارات أخرى.
وقام الخطيب بإنشاء “نوستالجيا للسيارات الكلاسيكية” في دبي بهدف توفيرها لهواة قيادة مثل هذه السيارات وخاصة المغرمين بها من الأجيال الشابة.
ويرى هواة السيارات الكلاسيكية، أن قيادة السيارات الحديثة لا تحتوي على خصوصية ولا متعة على اعتبار أنها سيارات متشابهة، والسيارات الفارهة لم تعد نادرة في الإمارات.
وللتميّز يرى هؤلاء أن قيادة سيارة كلاسيكية هي السبيل تماما مثلما كان أجدادنا يمتلكون أفضل الخيول. ويقول سعيد الدوخي إنه يستمتع بقيادة السيارات الكلاسيكية ولا يقتصر الأمر على امتلاكها أو الاستثمار فيها، “هناك سيارات لا أستخدمها إلا في الشتاء بسبب عدم وجود المكيف فيها، لكن هناك سيارات أقودها في الصيف وليس بصفة يومية، لأنه لا بد من الحفاظ عليها بسبب معاناتنا من قلة خبرة الأيدي العاملة في مجال الصيانة وكذلك عدم توافر قطع الغيار”.
ويقول المولعون بالأيقونات الميكانيكية القديمة وقيادتها، إن صانعي السيارات في الماضي عملوا على تصميم سياراتهم بطريقة مبهرة ومنفردة، كي لا يفنى رونق عرباتهم مع مرور الزمن، لذلك نرى اليوم العديد من السيارات الكلاسيكية تفوق في شكلها وتصاميمها السيارات الحديثة، وهذا ما جعلهم يدفعون مقابل شرائها مبالغ طائلة من المال ويبحثون عنها في المزادات والمعارض.
متحف الأيقونات
عشاق السيارات الكلاسيكية في ازدياد في الإمارات مما ساهم في ارتفاع عدد هذه الأيقونات الميكانيكية وانتشار المتاحف والمعارض المختصة بها. ويعتبر متحف الإمارات الوطني للسيارات واحدا من أهم وأشهر المتاحف في أبوظبي. ويحتوي على العديد من السيارات والمركبات المختلفة إلى جانب مركبات الطرق غير المعبدة والكثير من السيارات الكلاسيكية الأخرى، ومن أهمها السيارات الأميركية الكلاسيكية الشهيرة، إلى جانب مجموعة من سيارات المرسيدس الملونة بأقواس قزح وأكبر شاحنة في العالم.
ويوثق متحف السيارات الكلاسيكية في العين لتاريخ النقل في الإمارات من خلال عرض لأكثر من 37 سيارة قديمة يصل تاريخها إلى أوائل القرن الماضي، والتي عاصرت فترة ما قبل الاتحاد وبعده، واستخدمتها شخصيات مهمة في تاريخ الإمارات، ليحكي قصة تطور وسائل النقل في الإمارات.
كما يضم قسما للدراجات النارية والهوائية القديمة، حيث يحتوي دراجة نارية عمرها أكثر من 32 سنة، ويضم المتحف أيضا معرضا لصور السيارات المستخدمة في الإمارات قبل وبعد الاتحاد، ومكتبة تضم مجموعة من الكتب التي تتناول أنواع السيارات القديمة وأشكالها وألوانها وموديلاتها والغرض منها، بالإضافة إلى كتب عن صيانة السيارات القديمة.
ويقول محمد العامري، أحد زوار المتحف، “أكثر ما جذبني في المتحف، السيارات التراثية التي شهدت فترة الاتحاد وما قبلها، خاصة تلك التي كان يستخدمها الشيوخ وكبار الشخصيات في الدولة، أيضا جذبني قسم الدراجات الهوائية، ومن القطع التي استوقفتني فيه، دراجة نارية بعجلتين، كان يطلق عليها بلهجتنا المحلية (أم صفايح)، وبجانبها أخرى قديمة يزيد عمرها على 32 سنة (أم ثلاث)”.
وافتتح متحف الشارقة للسيارات القديمة عام 2013، ولبس حلة جديدة في 2017، حيث وضعت مجموعة من الطلاب من جامعة الشارقة تصاميم جديدة للمتحف تسهّل على الزائر رؤية جميع السيارات المعروضة. ويضم المتحف أكثر من 120 سيارة قديمة مختلفة الطراز والتصميم، بالإضافة إلى دراجات نارية وهوائية، وكذلك السيارات التي كان يستخدمها حاكم الشارقة.
ترميم السيارات
مع ظهور اقتناء السيارات الكلاسيكية، هواية واستثمارا، ظهرت ضرورة ترميم هذه السيارات، لذلك اختص البعض في ذلك وافتتحت الورش التي تكرّس جهودها لإعادة إحياء سيارات كلاسيكية من الطرازات المختلفة واستعادة رونقها وبريقها.
ففي دبي، اهتم سيباستيان حسيني، اللبناني الجنسية، بالعمل على إعادة الحياة لهذه السيارات، وبدأ عمله بعد أن رمم سيارته لاند روفر سلسلة 1954 الأولى. ويقول حسيني “لقد نشأت هنا، جاء والدي في أواخر السبعينات، والدتي من هولندا، أتذكر هذه السيارات عندما كنت صغيرا، كنت أراها في جميع أنحاء الصحراء وتتجول في جميع أنحاء دبي، واستخدمت الشرطة في التجول سيارات لاند روفر القديمة”.
ويضيف “عندما كان الناس يشاهدون سيارتي الشخصية كانوا يسألونني إذا كان بالإمكان ترميم سياراتهم، ومن هنا بدأ عملنا في إعادة تأهيل السيارات الكلاسيكية”.
وبعد ذلك أنتقل إلى منشأة صغيرة، ولكنها مثيرة للإعجاب كما يقول، تتميّز بمساحات مخصصة لكل جزء من عملية الترميم، حيث يمكن للزبائن إحضار سياراتهم الكلاسيكية الخاصة.
وفي الشارقة يملك المهندس أحمد الجروان، من أبرز عشاق السيارات الكلاسيكية والنادرة، متحفا لها في الإمارة خصص فيه ورشة تتكون من مجموعة من الفنيين يتولون تفكيك السيارات الكلاسيكية بالكامل، وإصلاح وصيانة أو إعادة تصنيع كل قطعة فيها، ليعاد تركيبها مجددا. وتعتبر مريم راشد المسماري الإماراتية الأولى التي تتابع هوايتها في تعديل السيارات الكلاسيكية غير الصالحة للسير.
السيارة الكلاسيكية تخضع للفحص حتى يتم تسجيلها للاستخدام في طرق الإمارات
وبدأ شغف مريم بالسيارات الكلاسيكية منذ العام 2010، حيث كانت تقرأ عن كل ما يخص هذه النوعية من السيارات الكلاسيكية التي كثيرا ما أعجبت بصوتها. وهو ما دفعها لاتخاذ خطوات عملية لتعديلها. وتقول “بعد تعمقي في هذا المجال واستيعابي للأنواع والشركات والتصنيفات، انطلقت بمشواري بسيارة فولكسفاكن، فيتيل تعود للعام 1954″.
وتضيف مريم، العضو بنادي أبوظبي للسيارات الكلاسيكية والتراثية، “أحضر السيارات الكلاسيكية من البلد الأم مثل الولايات المتحدة الأميركية وفرنسا وألمانيا واليابان وسويسرا، وكل سيارة أعمل عليها لها قصة مختلفة عن الأخرى”.
وتتابع “بعد حصولي على أوراق الحيازة والتعديل، أعمل على إنزال المحرك وفصله عن هيكل السيارة من الداخل بما يتناسب مع معايير الأمن والسلامة، ثم أقوم بإزالة الصدأ وأعمل على الديكور الخارجي والداخلي”.
وتختم قائلة “إن هناك العديد من الصعوبات التي تواجهني مثل عدم وجود القطع اللازمة مما يتطلب تصنيع قطع بديلة، أي هناك مجهود مضاعف لإيجاد الحلول في كل سيارة أعمل عليها”.