ابتكارات تفوق سيارات المستقبل
غالبا ما نهتم باسم الصانع الرئيسي للسيارة الذي يتباهى بوضع شعاره على مقدمة السيارة ومؤخرتها وحتى صانع الإطارات الذي ينقش اسمه بكل صراحة على الجانب الظاهر من الإطارات وحتى الصانع الموهوب الذي أبدع في صناعة مكبرات الصوت المتطورة والموجودة داخل مقصورة السيارة والذي لا يرى بدّاً من وضع قطعة معدن على منتجه منقوشٌ عليها اسمه ليذكرنا دوماً بأن الصوت النقي هذا يصدر من الصانع ذاك… ولكن حقيقة الأمر أن هناك العديد من الصانعين الذين يقومون بإنتاج الآلاف من القطع المكونة لمجمل السيارة وبالتالي أنا لا أستطيع أن أحدد من الذي يقف وراء تلك الآلاف من القطع التي تتكامل مع بعضها لتكوين سيارتي مثلاً.. ولو أنني استطعت التعرف على منتج الغراء الموجود داخل إطار فتحة السقف في سيارتي لكان لي رد قاسٍ عليه.
لحسن الحظ أن المشكلة التي أعاني منها في سيارتي لا تمت بصلة إلى الصانع الألماني الشهير روبرت بوش Gmbhالمعروف عالمياً بـ “Bosch“، وإلا خاب ظني به فهو في الأصل ينتج القطع الهندسية والبرمجيات التي ترتبط بها وليس صانع غراء للسيارات…
وأنا الآن يمكنني تخمين ما يدور في أذهانكم من أسئلة: أليست بوش صانع المكواة المنزلية؟ وهذا السؤال كان يهيمن عليَ عندما قامت الشركة بدعوتي إلى ألمانيا مؤخراً لحضور مؤتمر صحفي، فلقد تعاملت مع الموضوع بكل سذاجة وتساءلت عما هو الهدف من دعوة صحفي متخصص بعالم السيارات لمؤتمر كهذا؟ هل يريدون مني تجربة قيادة على جزازة العشب الكهربائية مثلاً؟ ولكن لحسن الحظ لم يكن هذا ما يريدونه من دعوتي للحضور. فالأمر أبعد من ذلك بكثير فهنا حاولت شركة بوش لفت النظر إلى قسم حلول النقل لديها “Mobility Solutions Division” والذي بات يعتبر صراحةً القاسم المشترك في عالم صناعة السيارات العالمية، فعلى سبيل المثال هناك يتم صنع النظام الذكي الجديد “mySPIN” على سيارة جاكوار الجديدة XE لدمج الهواتف الذكية، وهو أيضاً القائم على صناعة ذراع ماسحة الزجاج لسيارة بيجو 308، وأيضاً نظام القيادة الكهربائي لسيارة بورشه 918 الهجينة وكذلك الأمر لنظام الحقن المباشر للوقود لمحرك ايكوسبورت في فورد موستنغ. جميع هذه المكونات وغيرها الآلاف يقوم بإنتاجها قسم حلول النقل لدى بوش، والذي يوظف في الوقت عينه أكثر من 200,000 شخص حول العالم، يقومون بتطوير وإنتاج المكونات الأساسية التي تدخل في صناعة وتحريك السيارات وأيضاً الدراجات النارية والدراجات الكهربائية وحتى صناعة الطيران والصناعات البحرية وصناعة القطارات.
وعندما علمت بأن نحو 25% من الموظفين يعملون في حقل الأبحاث والتطوير بدأت أدرك تماماً كم تولي هذه الشركة الألمانية الكبيرة من أهمية لتقنيات المستقبل، ما يبقيها العامل الحاسم والمشترك في صناعة النقل المستقبلية. وتؤمن بوش بأن استخدام الطاقة الكهربائية في وسائط النقل خصوصاً قطاع السيارات سيستمر في النمو والتوسع وتعتقد بأنه مع حلول العام 2020، ستشكل السيارات الكهربائية والهجينة ما نسبته 6 بالمئة من مجمل السيارات المباعة على مستوى العالم. وهذا الصانع والمطور الألماني يدخل في خضم صناعة السيارات العصرية والتي باتت تعتمد على الطاقة الكهربائية أكثر من قبل، فهو يقوم بتزويد الصانعين بالعديد من الأجهزة والأنظمة الذكية بما فيها البطاريات والمحركات الكهربائية المسؤولة عن تشغيل بعض أجهزة السيارة كذلك أجهزة التحكم الإلكترونية والحلول الذكية لادخار طاقة الكبح الضائعة للمكابح وتحويلها إلى البطاريات وغيرها العديد والعديد، وما زال يستثمر في مجال التطوير والأبحاث للوصول بهذه الصناعة إلى أبعاد تتجاوز حدود الواقع.
وهذا لا يعني أن بوش تركز فقط على الصناعة المستقبلية لعالم السيارات، فهي ما زالت تكرس نفسها في قطاع الميكانيكا وتزويد المحركات بأنظمة الحقن والاشعال، فعلى سبيل المثال تقوم بتزويد محرك 2.3 ليتر ايكوبوست لسيارة فورد موستنغ بنظام الحقن المباشر، وتزود سيارة مرسيدس E400 وسيارات عديدة أخرى بنفس التقنية. فنظام الحقن المباشر يساهم بشكل كبير في توفير استهلاك الوقود وخفض انبعاثات غاز ثاني أوكسيد الكربون من محرك السيارة، وبفضل كفاءة النظام المطور من بوش ومساعدته على توفير أفضل معدل لعزم الدوران ساهم في إبقاء الشركة أولاً على لائحة مصنعي هذه التقنية التي جعلت من صانع محركات قدير كمرسيدس مثلاً يعتمد على بوش بتزويده بها. ولكيلا يرتبط مصيرها بمصير صناعة السيارات التقليدية المستخدمة لمحركات الاحتراق الداخلي، أطلقت بوش العنان لفريق الأبحاث لديها ليستثمر في تقنيات المستقبل ويجعلها دوماً قبلة لصانعي السيارات دون منازع.
وقد دار هناك نقاش حول اعتماد السيارات على شبكات الإنترنت والأقمار الصناعية أكثر، ما يسمح على سبيل المثال لنظام الملاح GPS اتخاذ القرارات بخصوص التوجه إلى محطات التزويد بالوقود أو نقاط الشحن الكهربائي ويقودك إلى المتاح منها بدلاً عن توجيهك إلى أقرب محطة كما هو حالياً، والفكرة تكمن هنا وراء اعتماد نظام الملاحة على معطيات أكثر دقة لإيصالك إلى المحطة الأقرب والمضخة المتوفرة في الوقت والمكان الأسهل والأسرع في سبيل توفير استهلاك الوقود واختصار الوقت، فربما تتواجد ضمن مركز المدينة وبالقرب منك محطة وقود ولكنها مكتظة بالسيارات بينما هناك محطة أبعد قليلاً ولكنها توفر لك الخدمة بوقت أسرع بكثير وبالتالي يدعك نظام الملاحة أمام الخيار الأفضل ليوفر عليك الوقت والوقود وبالتالي يخفف بدوره العبء على البيئة. وهنا تضع بوش أفكارها فيما يتعلق بأنظمة الكبح وادخار الطاقة والأنظمة الأخرى التي ستتعامل مع ذلك.
وتقر الشركة الألمانية بأن البيانات والأنظمة والمكونات التي تقوم بتطويرها بغاية الدقة والأمان وتخضع لأربع مراحل من التحقق قبل الدخول إلى النظام والقيام بالتعديلات، وتقول بأن الصعوبة هنا تكمن في إظهار تلك المعطيات التي يستخدمها السائق للتعامل مع سيارته والانتباه إلى أدائها. وتخضع تلك العمليات في الوقت نفسه إلى التماشي مع قوانين صناعة السيارات وهيئات الأمان وقوانين البلدان المختلفة.
أما للحالمين بسيارات ذاتية القيادة ومستقلة القرار تستطيع الوصول بك إلى الوجهة المحددة دون أي تدخل منك بعد إعطائها العنوان والأمر بالانطلاق، تدعو بوش نفسها إلى تطوير أفكار مستقبلية تضيف إلى السيارة حساسات استشعار، رادارات، أجهزة ليزر وكاميرات فيديو لتوفير عيون وآذان وأحاسيس للمركبة ذات الأربع عجلات لتستبدلك على الطريق، بينما أنت جالس بداخلها تتصفح هاتفك المحمول أو حتى تأخذ قيلولة ريثما تصل وجهتك التالية.
ودعوني أعترف بأنني كسائق رالي مساعد لعدة سنوات لم يزعجني الأمر كثيراً، فالتخلي عن القيادة وتركها على عاتق السيارة نفسها أمر جيد في كثير من الأحيان خصوصاً فيما يتعلق بالغوص في مستنقع المدن المزدحمة والتي عادةً ما يدفعني الملل إلى النعاس والنوم أحياناً على الطريق وبالتالي مع سيارة ذكية كهذه يمكن أن أستغل الفرصة وأخذ قيلولة منتصف اليوم بشكل أكثر راحة وأمان، فضلاً عن أمر بات واضحاً وهو الاعتماد اللا مقصود على أنظمة ذاتية الأداء والتي تعمل بشكل خارج عن إرادتك بهدف تأمين الحماية لك على الطريق والتوفير أيضاً مثل نظام الثبات الإلكتروني ونظام منع انغلاق المكابح وغيرها وأيضاً نظام ادخار طاقة الكبح Kintec للمكابح والذي يعمل تلقائياً أيضاً، فكل تلك الأنظمة باتت متوفرة في سيارات اليوم وهي بشكل أو بأخر أجزاء من منظومة متكاملة ستتألف منها السيارات ذاتية القيادة وبالتالي فنحن بتنا نعتاد عليها رويداً رويداً وتساهم في تطويرها شركة بوش.
وواحدة من تجربتين ممتعين واكتشافين مدهشين قمت بهما هناك، كانت تجربة نظام المساعدة على ركن عربة المقطورة المعلقة بالسيارة في الخلف، ولكن بطريقة مستقبلية للغاية وتتمثل بجهاز لوحي قمت من خلاله بتشغيل برنامج خاص عليه وأنا واقف إلى جانب السيارة في الخارج، فكل ما كان عليّ فعله هو الضغط بإصبعي على الشاشة وسحبها إلى الأسفل مع التوجيه إلى اليمين أو اليسار لتقوم العربة بنفس اللحظة بتوجيه ذاتها بناءً على طلبي وعندما أريد التوقف يكفي أن أرفع إصبعي عن الشاشة لتتوقف السيارة والعربة عن الحركة، أما إن أردت سحبها إلى الأمام قليلاً فكل ما عليّ فعله الضغط على مقدمة السيارة (على الشاشة طبعاً!) وسحبها إلى الأمام لتقوم على أرض الواقع بذلك. وهنا يمكنني أن أبشر المزارعين وأصحاب المزارع بأن إمكانية جني المحصول وحصد القمح وقص العشب ستكون قريباً متاحة من المنزل ولكن عليكم التدرب على إمساك الأجهزة اللوحية وتشغيل البرنامج المخصص…
أما اكتشافي الثاني فجاء عند تجربتي الثانية هناك على سيارة أودي A3 مع قابض فاصل إلكتروني “e-Clutch” والذي يستخدم محرك كهربائي مركب بالقرب من عتلة التعشيق لعلبة سرعات يدوية، مع دارة تحكم هيدروليكية تقوم بتبديل السرعات وبالتالي استبدال يدك اليمنى وقدمك اليسرى أثناء القيادة وبتوفير علبة تروس يدوية، تماماً كما حدث عندما تحولت الشاحنات ذات التروس اليدوي إلى نصف أوتوماتيكية باستخدامها لنفس المحرك الكهربائي حيث يقوم بتعشيق السرعات بدلاً عن السائق عندما كانت علبة التروس الأوتوماتيكية بعيدة المنال على صعيد الشاحنات الكبيرة، ولكن مع تقنية بوش يمكنك الاستفادة منها في كلتا الحالتين إذ يمكنك أن تعزل النظام الإلكتروني وتحوله بلحظة إلى يدوي بمجرد الضغط على دواسة القابض وتحريك عتلة التعشيق وبالتالي العودة إلى النظام التقليدي، إذ يقوم النظام باستشعار حركة الدواسة والعتلة وبقوم آنياً بعزل نفسه والتحول إلى النمط اليدوي. وللعودة إلى النمط الأوتوماتيكي يمكنك بكل بساطة التوقف ووضع العتلة عند السرعة الأولى والتبديل إلى النمط الأوتوماتيكي والانطلاق من جديد. وقد يتساءل البعض عن جدوى هذا الاختراع مقارنة بعلبة السرعات تيبترونيك مثلاً والتي تجمع ما بين الأوتوماتيكي والعادي، وهنا يمكن لـ بوش أن ترد عليكم بأن هذا الاختراع يضمن لكم الاستمتاع بقيادة عادية 100 بالمئة للسيارة وتحويلها إلى أوتوماتيكية عند الرغبة على عكس نظام التيبترونيك والذي فشل فعلياً بالجمع ما بين علبتي السرعات اليدوية والأوتوماتيكية وبقي أقرب إلى الأوتوماتيكية.
وهنا يطول الحديث عن منتجات بوش ولكن تذكر بعد الآن عندما تمسك بيدك جهاز الحفر من نوع بوش أنه واحد من آلاف المنتجات المفيدة والعصرية التي تقوم على تطويرها وإنتاجها شركة رائدة على صعيد العالم بحرفية ودقة وجودة لا متناهية.