الفقراء .. وارتفاع أسعار الوقود
بالتوازي مع قرار البنك المركزي المصري تعويم سعر صرف العملات الأجنبية أمام الجنيه المصري أصدرت الحكومة قراراً برفع سعر الوقود في خطوة متوقعة منذ فترة فى إطار محاولات السيطرة على النقص الحاد في الاحتياطي النقدي الأجنبي وترشيد الدعم الحكومي للمنتجات البترولية التى تستنزف جزءاً ليس بالهين من ميزانية الدولة. وبهذين القرارين إضافة إلى تطبيق ضريبة القيمة المضافة التى أقرتها الحكومة منذ أسابيع قليلة تكون الحكومة قد نفذت الجزء الأهم والأكبر من الإصلاحات القاسية والضرورية فى الوقت ذاته التي أعلنت عنها منذ فترة طويلة.
بالرغم من قسوة تلك الإجراءات وتبعاتها الاقتصادية والاجتماعية الصعبة، إلا أنه ثمة إجماع بين الخبراء بمختلف توجهاتهم الاقتصادية والسياسية على أن البدائل المطروحة للنظام السياسي المصري للتعامل مع الأزمة الاقتصادية الخانقة محدودة للغاية ولم يكن لدى الحكومة المصرية سوي ما اتخذته من إجراءات.
لم تمر دقائق معدودة على صدور قرار رفع أسعار الوقود حتى انهالت تصريحات العديد من الخبراء والسياسيين المؤيدة لقرار الحكومة باعتباره يستهدف الأغنياء غير المستحقين للدعم الحكومي. وبعيداً عن دوافع وقناعات أصحاب هذه الآراء فمن المهم التأكيد على أن الطبقة الوسطي والفقراء بشكل أساسي هم من سيعانون من ارتفاع أسعار الوقود.
***
بدايةً ينبغي الاشارة إلى أنه من الصعب حقيقة تصور أن كل من يملك سيارة فى مصر يعد من الأغنياء، فهناك تفاوت كبير للغاية فى أسعار السيارات يجعل من غير المنطقي أو الصحيح اعتبار زيادة أسعار وقود السيارات تستهدف الأغنياء فقط خاصةً وأن الزيادة غير مربوطة بنوعية معينة للسيارات سواء من حيث قوة المحرك أو سعرها وبالتالي فإن الزيادة ستطول كافة السيارات بصورة متساوية.
الأمر الثاني هو أنه من المعروف أن نسبة إنفاق الأغنياء على المواد البترولية أو وسائل المواصلات بشكل عام إلى إجمالي انفاقهم العام على مختلف السلع والخدمات قليلة. صحيح أنه كلما زاد دخل الفرد زاد انفاقه على السلع التى يستهلكها ولكن هناك نوعية معينة من السلع يستهلكها الفرد بمعدلات ثابتة أو متغيرة فى حدود بسيطة بغض النظر عن مستوى دخله ومن بينها استهلاك وقود السيارات. بخلاف -على سبيل- شراء الملابس أو التعليم حيث تزيد نسبة الانفاق عليهما بين الأغنياء أكثر من الفقراء. أما الفقراء ومحدودي الدخل فينفقون نسبة كبيرة من دخولهم على وسائل المواصلات والسلع والخدمات الأساسية وبالتالي فإن أي زيادة فى أسعار هذه السلع سيترتب عليها مزيد من الفقر. فعلي سبيل المثال إذا كان دخل الفرد ٢٠ ألف جنيه شهرياً ويستهلك ٢٠٠ لتر من البنزين بإجمالي ٥٢٠ جنيه قبل الزيادة سيزيد إنفاقه بعد الزيادة إلى ٧٠٠ جنيه أي بنسبة زيادة ٠,٩٪ إلى إجمالي الدخل، أما الشخص المنتمي للطبقة المتوسطة ويبلغ دخله ٤ آلاف جنيه شهريا ويستهلك نفس الكمية فستمثل الزيادة حوالى ٤,٥٪ من دخله.
والمتأمل لحجم ونسب الزيادة فى أسعار الوقود يجد أنها لم تراعِ التفاوت بين الطبقات المستخدمة لمختلف أنواع الوقود. حيث تم زيادة سعر لتر البنزين ٨٠ من ١٦٠ قرش إلى ٢٣٥ قرش بزيادة قدرها حوالي ٤٧٪، فى حين ارتفع سعر السولار من ١٨٠ قرش إلى ٢٣٥ قرش بزيادة قدرها حوالي ٣٠٪ فى حين ارتفع سعر لتر البنزين ٩٠ من ٢٦٠ قرش إلى ٣٥٠ قرش بزيادة قدرها ٣٤٪ كما ارتفع سعر المتر مكعب من الغاز من ١١٠ قرش إلى ١٦٠ قرش بزيادة نسبتها حوالي ٤٥٪.
والواضح أن أعلي نسبة زيادة كانت من نصيب بنزين ٨٠ والذي لا يستهلكه تقريباً إلا أصحاب السيارات القديمة أو الرخيصة وهم من الطبقة المتوسطة بالأساس. أما ثاني أكبر زيادة فكانت من نصيب الغاز الطبيعي الذى يستخدمه عادة سيارات الأجرة وأصحاب الدخول الأقل. كما أن ارتفاع أسعار السولار والذى تستخدمه سيارات النقل الجماعي والميكروباص فمن شأنه زيادة تعريفة الركوب بما لا يقل عن ٣٠ إلى ٥٠٪ من السعر الحالي وفقاً لسوابق ارتفاع تعريفة الركوب وعليه فقد ترتفع أجرة الميكروباص من ٣ جنيهات إلى ٤,٥ جنيه أو أكثر خاصة مع عدم وجود رقابة على سيارات الميكروباص وهو ما يعني أن الطبقة المتوسطة والفقراء هم الأكثر تضرراً من رفع سعر الوقود.
***
حقيقةً لا خلاف علي أن أسعار الوقود فى مصر منخفضة بالمقارنة بالدول المماثلة لنا والتى تستورد معظم احتياجاتها البترولية، فضلاً عن أنه مع معاودة ارتفاع سعر النفط ونقص احتياطي النقد الأجنبي وملائمات السياسة الخارجية مع الدول المصدرة للبترول، لم يكن أمام الحكومة الكثير من الخيارات. وأتوقع أن تساهم تلك الزيادة فى خفض ولو بسيط من معدل استهلاك المواد البترولية على المدي القصير مع امكانية انخفاض أكبر على المدي البعيد فى ضوء كون الوقود أحد السلع ذات الطلب غير المرن أى أن نسبة انخفاض الطلب عليها أقل من نسبة ارتفاع السعر بسبب عدم وجود بدائل على المدي القصير.
غير أنني أتمني أن تدرك الحكومة أن هذا القرار بالإضافة إلى تعويم الجنيه وضريبة القيمة المضافة سيترتب عليهم زيادة كبيرة فى أسعار كافة السلع ومتطلبات الحياة اليومية وسيقع التأثير الأكبر على الطبقات المتوسطة والفقيرة. وأعتقد أنه حان الوقت أن يكون هناك حوار مجتمعي جاد بمشاركة كل الأطراف المعنية من جهات حكومية وخبراء اقتصاديين وسياسيين وممثلي المجتمع المدني وغيرهم لوضع تعريف واضح وواقعي للفقراء والاتفاق على آليات وسياسات وبرامج من شأنها أن تخفف من حدة الاجراءات الاقتصادية الأخيرة بما فى ذلك مراجعة شاملة لبرامج الحماية الاجتماعية لتكون بالفعل مظلة للفقراء والطبقة المتوسطة وكذا تحسين وتطوير الخدمات الموجهة بالأصل للطبقات الأقل دخلاً ومن بينها المواصلات العامة والتعليم الحكومي والتأمين الصحي