حكاوى السوق

خالد أباظة يكتب: «فرمان» الوزير.. ومصلحة المواطن.. وشائعة غبور!

فرمان وزارى «هل علينا» قبل أن يسدل الستار عن سنة ٢٠١٧ الراحلة.. فجأة.. وبدون مقدمات أو سابق إنذار.. قرر معالى وزير الصناعة والتجارة طارق قابيل إيقاف التخفيض الجمركى الذى كان مقررا على السيارات الواردة من مختلف الدول الأوروبية بقيمة ١٠٪ من جمرك كل سيارة.. وكان من المفترض أن يطبق فى بداية العام الجديد وفقا لاتفاقية المشاركة المصرية الأوروبية.

صدر القرار أو الفرمان.. كده مرة واحدة.. وتم العمل به فورا وإبلاغ وزير الخارجية لمخاطبة الجانب الأوروبى رسميا لاتخاذ الإجراءات اللازمة.. وكذلك وزير المالية ليوقف أى خصومات على جمارك السيارات التى كانت تستعد للخروج من الموانى الجمركية متمتعة بالإلغاء الجديد فى الجمارك!

القرار بالنسبة لى ولكل العاملين فى سوق السيارات.. وللمواطن المصرى العادى أيضا.. يمثل لغزا كبيرا و«لوغاريتم» غير مفهوم على الإطلاق.. ولكن بداية أحب أن أوضح أنه غير مؤثر بشكل كبير و«فظيع» على أسعار السيارات فى بلدنا.. أوروبية أو كورية أو يابانية أو حتى صينية.. وكذلك المجمعة محليا.. القرار لو لم يكن قد صدر ما كنا سنرى تخفيضات رائعة وجميلة ومبهرة فى أسعار السيارات الأوروبية وفقا لقصة الـ ١٠٪ تخفيض فى جمارك السيارات التى كانت مقررا لها بداية العام الحالى.. وقبل أسبوعين نشرت فى هذا المكان مقالا يؤكد أن التخفيض سينعكس بنسبة قليلة جدا تتراوح ما بين ٢ إلى ٣٪ على أسعار السيارات الواردة من أوروبا بعد تطبيق أسعار ونسب الجمارك الجديدة..

أقول هذا الكلام حتى لا يقال أن «الوزير» منع كل الخير القادم للمصريين وساهم فى قتل أحلامهم بشراء سيارة رخيصة فى متناول أيديهم.. بالبلدى كده.. لن «نظيط مع الظيطة» ونتهم الوزير أنه السبب وراء أسعار السيارات الأوروبية المجنونة حاليا.. وأنه يقود مؤامرة على جيوب المصريين وأحلامهم وطموحاتهم.. كل ده «كلام فارغ» فقراره الأخير من عدمه لم يكن مؤثرا بشكل كبير سواء سلبا أو إيجابا.. هذه «كلمة حق» لإنصاف الوزير!

ولكن هذا لا يمنع من انتقاد قراره الغريب والمفاجئ.. وعندى ١٠٠ علامة استفهام حول القرار وأسبابه.. وتوقيته.. وطريقة صدوره!..

المعروف أن أى قرار «وزارى» يصدر من مسؤول يشرف على «حقيبة وزارية» بالحكومة يكون له أسباب.. وخاضع لدراسات.. ويتماشى مع المعاهدات والمواثيق الدولية.. وأخيرا.. يحقق مصلحة الدولة والمواطن معا..

ولكن فرمان الوزير الأخير لا يوجد فيه أى «تصنيف» من بين كل هذه «الشعارات»..

هل خضع لدراسة وتحليل وتقييم قبل أن يتم إصداره وإعلانه بشكل نهائى؟!.. أعتقد لا.. والدليل على ذلك أننا لم نسمع طوال الشهور الماضية عن وجود نية لدى الحكومة لذلك.. وإذا كانت «السرية» قد أحاطت الدراسات والتحليلات لهذه القضية داخل مبنى وزارة الصناعة والتجارة طوال شهور العام المنتهى.. هل كان منطقيا أن يتوصل السادة خبراء التحليل والفحص والتنقيب لصدور نتائج أعمالهم السرية قبل انتهاء العام بساعات قليلة؟!.. يعنى السنة طويلة.. والأيام والأسابيع عديدة.. تركناها كلها ومسكنا فى الساعات الأخيرة من العام الذى يلفظ أنفاسه الأخيرة.. لماذا؟ حتى نفاجأ الاتحاد الأوروبى مثلا فيرتبك ولا يستطيع أن يجادلنا ويفاصلنا؟.. أو حتى نخدع شركات ووكلاء السيارات الواردة من أوروبا فى بلدنا.. ونخرج لهم «ألسنتنا» ونقول لهم: «تركناكم ترتبوا أوراقكم وترسموا خطط وسياسات واتفاقات مع الشركات الأم بشأن أرقام وموديلات وطرازات.. والآن ضحكنا عليكم وعملنا قرار فى الوقت الضائع فى السنة.. طظ فيكم كلكم»!

هل يتماشى القرار مع المعاهدات والمواثيق الدولية التى وقعتها حكومتنا وأعلنت الالتزام بها مع الدول الأخرى؟.. الإجابة لا.. فالقرار «ينسف» تماما أى التزام حكومى مع الاتحاد الأوروبى.. بنود الاتفاق واضحة وصريحة.. أتاحت الفرصة لمصر أن تؤجل مسألة التخفيض الجمركى السنوى بمقدار ١٠٪ مرة واحدة فقط للضرورة القصوى.. إلى أن تصل الجمارك إلى «صفر» مع بداية عام ٢٠١٩.. وقد استخدمنا «حق التأجيل» بالفعل عام ٢٠١١ نتيجة للأحداث «الحزينة» التى مرت على البلاد وغياب الدولة والحكومة وقتها.. والآن نريد استخدام هذا الحق مرة ثانية.. من سمح لنا بهذا؟.. هل هناك موافقة نهائية وصريحة من الاتحاد الأوروبى بذلك؟.. الإجابة لا.. بالتأكيد لم تصدر الموافقة حتى الآن.. يقال أنها موجودة: بشكل «شفوى».. ولسة «التحريرى» فى الطريق!

ولماذا -أصلا- نضع أنفسنا فى مواجهة قد تكون خطيرة مع الاتحاد الأوروبى.. طب إفرض رفضوا تماما وتم تصعيد الموقف و«اتلككوا» وقالولنا: «شكرا.. أنتم دولة لا تحترم اتفاقاتها الدولية وإحنا كمان لا نحترمكم وسوف نوقف عمليات استيراد السلع والمنتجات المصرية تماما»!.. ماذا سنفعل وقتها؟.. ولماذا المخاطرة؟!..

والسؤال: هل كان الأمر يستحق هذا؟.. يعنى إحنا ممكن نزعل ونواجه دول أوروبا ودول العالم كلها إذا كانت مصلحة البلد تحتم ذلك.. وإذا كان هناك «أمن قومى» لا نستطيع أن «نلعب معه» أو نهزر فيه.. أو إذا كنا مضطرين تماما لمثل هذه المواقف والمخاطر.. ولكن هل نسبة ١٠٪ تخفيض فى الجمارك للسيارات تستحق منا كل هذا؟.. أن نعدل فى اتفاقية ونصدر قرارات ونخاطب دول وحكومات ونؤجل بنود؟.. ليه يا سيادة الوزير؟ دى الحكاية كلها تتعلق بـ ٢٪ تخفيض فى سعر السيارة الأوروبية.. وكمان ماكانتش هاتتحقق من الوكلاء لآن التخفيضات سيقابلها زيادة فى سعر العملة ومحاولات لتعويض خسائر الوكلاء فى العام المنتهى بخلاف الزيادة السنوية المقررة فى سعر السيارة من الشركة الأم.. الحكاية كلها مش مستاهلة أبدا.. بالبلدى كده: «الجنازة حارة والميت كلب».. هيه بايظة أصلا!..

سؤال أخير.. هل القرار يحقق مصلحة المواطن المصرى؟.. الإجابة «قولا واحدا» لا.. ماذا سيستفيد المواطن الآن.. كان يحلم ببعض التخفيضات القليلة بسبب انخفاض الجمارك وكان يتمنى لو كان الوكلاء يستطيعوا تطبيق القرار فعلا وتخفيض سياراتهم!.. ولكنه الآن لا يحلم بأى شيء بعد تعليق التخفيضات وتأجيلها.. بل على العكس.. يتوقع زيادة جديدة فى أسعار السيارات مع بداية العام الجديد.. والوكلاء طبعا لديهم ألف سبب للزيادة.. وإذا كانت الحكومة لم «تحنو» على المواطن.. عايزين الوكلاء هما اللى «يطبطبوا» على المصريين؟.. بأمارة إيه؟!.. دول خارجين من عام خسائر تاريخى!..

كلمة أخيرة «فى سركم كده».. قيل أن القرار صدر من أجل حماية المنتج المحلى.. وده برضه لم يتحقق سواء مع تطبيق التخفيض أو تعليقه.. حتى الشائعات الساذجة التى انتشرت داخل كواليس السوق بعد القرار وتقول أن الوزير يريد مجاملة د. رؤوف غبور ليستطيع أن يبيع سيارات هيونداى المجمعة محليا؟!.. بصرف النظر عن أن الوزير بصراحة راجل محترم ولا يحتاج لمجاملة رجال الأعمال لأنه ينتمى إلى هذه الطبقة أساسا وماحدش «كاسر عينة».. والأهم من ذلك أن غبور أصلا لن يفرق معه قصة تعليق التخفيضات لمدة عام.. لن يسبب هذا رواجا رهيبا فى مبيعاته.. كده أو كده السوق «متنيل بنيله».. والمواطن يصرخ ويتوسل.. وغبور خسائره بمئات الملايين.. هو وغيره من أصحاب شركات ومصانع التجميع.. فى انتظار صدور استراتيجية صناعة السيارات التى طال انتظارها «!!».. وهى ستحدد مستقبل هذه الصناعة فى بلدنا.. إما تزدهر.. أو تروح فى داهية تاخدها بقى!.. أما مسألة تعليق تخفيض جمركى.. فهى بالنسبة لغبور ليست «آخر همه» ولا حلم حياته على الإطلاق!!

بداية «مش جميلة أوى» مع العام الجديد.. كل سنة وأنتم طيبين!..

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى