كيف ستعيد نيسان هيكلتها بعد تعثر مفاوضات الاندماج مع هوندا ؟
انهارت مفاوضات الاندماج بين هوندا ونيسان بعد أكثر من شهر من انطلاقها، مما يثير تساؤلات حول مستقبل الشركتين في ظل التحولات العميقة التي يشهدها قطاع السيارات عالميًا، ومع دخول الصناعة مرحلة تغيير غير مسبوقة، سيكون من الصعب على كل منهما مواجهة التحديات بمفردها. لذلك، ومن المتوقع أن تكثّف الشركتان جهودهما في البحث عن شركاء جدد لضمان قدرتها على المنافسة والاستمرار في سوق يتطور بوتيرة متسارعة.
في الثالث عشر من شهر فبراير، أعلنت الشركتان عن إلغاء اتفاقهما الأساسي بشأن النظر في الاندماج الإداري من خلال إنشاء شركة قابضة مشتركة، أوضح رئيس شركة هوندا ميبي توشيهيرو سبب الإلغاء قائلًا: ”لقد قدمنا اقتراحًا يهدف إلى حوكمة واحدة، ولكننا لم نتمكن من التوصل إلى نقطة اتفاق. وتعني الحوكمة الواحدة أن هوندا ستجعل من نيسان شركة تابعة مملوكة لها بالكامل، بدلاً من اندماج الأعمال من خلال شركة قابضة مشتركة.
وفي وقت الإعلان عن المفاوضات في العام الماضي، كان قد تقرر أن تقوم هوندا بتعيين الرئيس وغالبية أعضاء مجلس إدارة الشركة القابضة المشتركة، لذلك كان من الواضح أن عملية الدمج الإداري كانت بقيادة هوندا، ولكن كانت نيسان التي ستندرج تحت الشركة القابضة تتمتع بالسيطرة على الموارد البشرية، وضمنت درجة معينة من استقلالية الإدارة. إلا أنه عندما تصبح نيسان شركة تابعة مملوكة بالكامل، فإن هوندا ستقوم باتخاذ القرارات المهمة مثل التعيينات التنفيذية واستراتيجية الأعمال.
وقال أوتشيدا ماكوتو، رئيس شركة نيسان: ”إن نيسان قررت أنه سيكون من الصعب تعظيم نقاط قوتها من خلال جعلها شركة تابعة“، ويُنظر إلى نيسان على أنها شركة متمسكة باستقلالية إدارتها، وقد انتقد مسؤول تنفيذي آخر في نيسان نهج هوندا في المفاوضات قائلًا ”إن قرار هوندا بتغيير شرط مسبق مهم فور اتخاذها قرار السعي إلى تحقيق الاندماج الإداري من خلال هيكل شركة قابضة مشتركة لم يكن الطريقة الصحيحة للمضي قدمًا في الاندماج“.
فلماذا فشلت خطة القرن لإنشاء ثالث أكبر شركة سيارات في العالم بعد تويوتا وفولكس فاجن الألمانية، بعد شهر ونصف فقط من الإعلان الرسمي عن بدء المفاوضات يا ترى؟ لقد قمت بمحاولة استكشاف الآفاق المستقبلية مع القيام بتتبع المفاوضات التي جرت خلف الكواليس.
”إعلان خطوبة“ بلا مشاعر
في المؤتمر الصحفي الذي عُقد في شهر ديسمبر من العام الماضي عند إعلان الدخول في مفاوضات الاندماج الإداري، سُئل رئيس شركة هوندا السيد ميبي ”ما الذي جذبك إلى نيسان؟“، فلم يجد جوابًا سوى القول ”إنه أمر صعب!“، ويمكن تشبيه اندماج الأعمال بين الشركات بـ ”الزواج“ بين البشر. وتعني إجابة السيد ميبي أنه لم يتمكن من شرح مزايا الشخص الذي يريده أن يكون ”زوجته“.
ويبدو أنه كان هناك تلميح في هذا التصريح. فبعد أن أعلنت الشركتان في شهر أغسطس من العام الماضي أنهما ستتعاونان بشكل رئيسي في مجال السيارات الكهربائية (EV)، تم إنشاء ست مجموعات عمل للتفاوض حول كل من الموضوعات الرئيسية. وفي وقت الإعلان عن خطة التعاون، كانت الشركتان تتطلعان أيضًا إلى شراكة مستقبلية في رأس المال.
وبينما كانت الشركتان تتفاوضان لتعميق علاقتهما، كان الخطأ الكبير في التقدير هو أن أداء نيسان كان أسوأ من المتوقع. حيث أن توقعات النتائج للفترة المالية المنتهية في الثالث عشر من شهر مارس من عام 2025، والتي تم الإعلان عنها في الثالث عشر من شهر فبراير، تشير إلى أن صافي الأرباح والخسائر لشركة نيسان سينخفض من أرباح بلغت 426.6 مليار ين في نفس الفترة من العام الماضي إلى خسارة قدرها 80 مليار ين.
وهناك ثلاثة أسباب رئيسية للتدهور السريع في الأداء. أولاً، في أمريكا الشمالية، وهي سوق مربحة للغاية، أجبر انخفاض جاذبية المنتجات الشركة على وضع يضطرها إلى بيع منتجاتها بأسعار مخفضة، وهو ما أدى إلى انخفاض الربحية بشكل كبير.
ثانيًا، تمتلك الشركة بأكملها طاقة إنتاجية سنوية تبلغ خمسة ملايين وحدة، ولكنها لا تنتج سوى 3.2 مليون وحدة فقط، مما يترك ما يقرب من 40% من منشآتها في حالة فائض.
وثالثًا، هناك تكلفة إعادة الهيكلة التي تبلغ مئة مليار ين. وتعتزم نيسان الإعلان عن تفاصيل خطة إعادة الهيكلة الجديدة خلال الشهر المقبل. وقد تزيد تكاليف إعادة الهيكلة أكثر من ذلك.
وحتى في عملية التفاوض على التعاون التجاري منذ شهر أغسطس من العام الماضي، رأت إدارة هوندا أن ”الشرط الرئيسي لنجاح التعاون والاندماج الإداري مع نيسان هو إعادة هيكلة إدارة نيسان“. ولهذا السبب، فإن البيان الصحفي الصادر في شهر ديسمبر، والذي تم فيه الإعلان عن الدخول في مفاوضات الاندماج، ذكر بوضوح أيضًا أن الاندماج الإداري ”يرتكز على التنفيذ المطرد لمبادرات خطة تحول الأعمال في نيسان“. ويشير ذلك إلى خطة إعادة الهيكلة التي أعلنت عنها نيسان في السابع من شهر نوفمبر من العام الماضي، بما في ذلك تخفيض تسعة آلاف وظيفة، أو 7% من إجمالي القوى العاملة، و20% من الطاقة الإنتاجية.
استياء بسبب البطء في اتخاذ القرارات
ولكن، اعتبرت هوندا أن سرعة تنفيذ خطة إعادة الهيكلة هذه بطيئة. وعلاوة على ذلك، يقول أحد المسؤولين في هوندا ”غالبًا ما كانت القرارات التي اتخذها الرئيس ميبي والرئيس أوتشيدا من خلال النقاشات يتم نقضها داخل نيسان“ خلال عملية التفاوض، الأمر الذي دفع هوندا إلى استنتاج وجود مشكلة في نظام صنع القرار في نيسان، وبالتالي كانت سرعة اتخاذ القرارات الإدارية بطيئة.
واستنادًا لذلك، أوضح السيد ميبي في المؤتمر الصحفي الذي عُقد في الثالث عشر من شهر فبرايرقائلًا ”عندما اقترحنا جعل نيسان شركة فرعية تابعة لهوندا، أخذنا في الاعتبار إمكانية سحب الاتفاق، وفي الوقت الحاضر السرعة هي الأساس. وإذا استمرت مفاوضات الاندماج الإداري في التقدم ببطء، فإن الوضع قد يصبح أكثر خطورة، لذلك اقترحنا نظام الحوكمة الواحدة لتسريع عملية اتخاذ القرار“.
وقد بدأت شركة هوندا في التفكير في تحويل نيسان إلى شركة تابعة لها في نهاية العام الماضي، ويبدو أنها بدأت تناقش منذ منتصف شهر يناير من هذا العام أيضًا من ستقبله كرئيس إذا أصبحت نيسان شركة تابعة لها. وهناك أيضًا معلومات نقلًا عن أحد المسؤولين في الشركة تفيد بأن ”السيد ميبي والسيد أوتشيدا التقيا في الثالث والعشرين من شهر يناير للتأكيد النهائي على ما إذا كان سيتم قبول تحويل نيسان إلى شركة فرعية تابعة لهوندا أم لا“.
ويبدو أن السيد أوتشيدا طرح فكرة الشركة الفرعية داخل نيسان، ولكن في اجتماع للمسؤولين التنفيذيين وما فوق تم عقده في الرابع من شهر فبراير، تقرر بشكل غير رسمي إنهاء المفاوضات مع هوندا بعد مواجهة معارضة شديدة من ساكاموتو هيديوكي، نائب الرئيس المسؤول عن قطاع الإنتاج وآخرين. حتى أن بعض موظفي نيسان قالوا إن ساكاموتو أفضل من أوتشيدا من حيث العمر والإنجازات المهنية، وأن البعض داخل الشركة يميلون إلى نائب الرئيس أكثر من الرئيس.
وعُقد اجتماع استثنائي لمجلس الإدارة في الخامس من شهر فبراير لتأكيد نوايا أعضاء مجلس الإدارة الاثني عشر، وكان اثنان منهم فقط يؤيدان المضي قدمًا في مفاوضات الاندماج كما كانت، وبناء على ذلك، أبلغ السيد أوتشيدا السيد ميبي بالانسحاب من المفاوضات في اليوم التالي الموافق للسادس من شهر فبراير.
ظهور اسم تسلا
وعلى الرغم من تعثر مفاوضات اندماج الشركتين، إلا أن كلًا من ميبي وأوتشيدا يقولان ”إن هناك تأثيرات تآزرية ناتجة عن توحيد جهود الشركتين“. وكان من المتوقع أن يؤدي الاندماج إلى إحداث تأثيرات تآزرية من شأنها أن تعزز الأرباح التشغيلية بنحو تريليون ين، وبالإضافة إلى تعزيز التطوير والإنتاج المشترك في مجال السيارات الكهربائية، فمن المتوقع أيضًا تحقيق فوائد كبيرة من خلال مشاركة تقنية الجيل التالي الهجينة التي طورتها هوندا حديثًا.
ففي أي اتجاه ستسير الشركتان يا ترى؟ لقد كشف رئيس هوندا ميبي أن الشركة لديها العديد من الخطط. وفي الوقت نفسه، أعلنت نيسان، في مؤتمر صحفي عُقد في الثالث عشر من شهر نوفمبر، عن عزمها البحث عن شركاء جدد، قائلةً إنها ستسعى إلى إيجاد فرص شراكة استراتيجية يمكن أن تزيد من قيمة شركة نيسان بشكل كبير. وهناك أربعة سيناريوهات يتم تداولها الآن بين الجهات المعنية فيما يتعلق بمستقبل نيسان وهوندا.
يتردد في مسرح اتخاذ القرارات السياسية في منطقة ناغاتاتشو أن ”نيسان قد تتعاون مع شركة تكنولوجيا أمريكية. وستكون شركة تسلا الشريك الأكثر احتمالاً“. ويُذكر أن الرئيس ترامب استخدم اسم ”نيسان“ بالخطأ ثلاث مرات عند الإشارة إلى شركة نيبون ستيل خلال قمة أمريكية يابانية عُقدت في الثامن من شهر فبراير/شباط، فيما يتعلق بقضية الاستحواذ على شركة الصلب الأمريكية. والرئيس التنفيذي لشركة تسلا إيلون ماسك هو أحد المقربين من الرئيس ترامب. فهل اسم نيسان موجود في مكان ما في ذهن الرئيس الأمريكي يا ترى؟
وبعد ذلك، من المحتمل أن تبدأ شركة هون هاي (فوكسكون)، وهي إحدى شركات تصنيع الأجهزة الإلكترونية التايوانية الكبرى، في التحرك بشكل جدي نحو الاستحواذ على شركة نيسان. ومنذ الخريف الماضي، تعمل الشركة على وضع الأساس للاستحواذ على نيسان مع البنك الرئيسي للشركة، بنك ميزوهو، ووزارة الاقتصاد والتجارة والصناعة اليابانية، وهي الوكالة الحكومية ذات الصلة، ويُعتقد أن هذه المفاوضات مستمرة.
استحواذ مشترك بين هوندا وفوكسكون؟
ثالثًا، أعتقد أن هناك احتمالاً بأن تقوم شركة هوندا بإعادة التفاوض بشأن الاندماج الإداري مع شركة نيسان. وكما ذكرت أعلاه، من المتوقع أن يخلق الاندماج الإداري للشركتين تأثيرات تآزرية تصل إلى تريليون ين. وبدلاً من ذلك، يبدو أن شركة هوندا لا يزال لديها بعض ”الحسرة“ تجاه شركة نيسان. وإذا تم استبدال ”نظام أوتشيدا“ البطيء في اتخاذ القرارات بالكامل، فقد تبدأ الأمور في التحرك مرة أخرى نحو الاندماج الإداري.
وفيما يتعلق بأعمال المركبات ذات الأربع عجلات، والتي تعتبر أقل ربحية بشكل كبير من أعمال المركبات ذات العجلتين، أوضح الرئيس ميبي للمسؤولين في الشركة ذلك قائلًا ”لا يمكن لأعمال المركبات ذات الأربع عجلات البقاء في المنافسة بمفردها إذا واصلنا المسار الحالي، لذلك قررنا القيام بالاندماج الإداري“.
وأخيرًا، من المتوقع أيضًا أن تقوم شركتا فوكسكون وهوندا بإبرام صفقة استحواذ مشتركة، ويقول بعض الأشخاص ذوي العلاقة ”إن شركة هوندا لديها تقييم مرتفع للسيد سيكي جون، الذي يشغل منصب كبير مسؤولي السياسات الإستراتيجية لمشروع السيارات الكهربائية في شركة فوكسكون، ويُنظر إليه باعتباره المفاوض مع الجانب الياباني“.
وقد شغل السيد سيكي منصب نائب الرئيس التنفيذي للعمليات في شركة نيسان وكان مسؤولاً عن إعادة الهيكلة، لذا فهو يتمتع بفهم عميق للشركة. وأتوقع أن تتعاون شركتا فوكسكون وهوندا، حيث يتولى سيكي مسؤولية إعادة الهيكلة، ويمكن للشركات الأربع، هوندا ونيسان وفوكسكون وميتسوبيشي، أن تعمل على وضع استراتيجية للنمو معًا، مما يؤدي إلى إنشاء تحالف شركات ياباني تايواني جديد.
إن الزمن يمضي بسرعة. وربما نشهد بعض التطورات الكبرى بحلول ربيع عام 2025. وقد تأتي من اليابان أخبار كبيرة ستدهش العالم.