كان من المألوف رؤية “الشاحن التوربيني” في سيارات النقل التي تعمل بمحركات الديزل ولكن لاحظنا مؤخرا أن العديد من شركات السيارات قد أضافت هذا النظام في كثير من سيارات الركوب أيضا وخاصة التي تعمل بمحرك بنزين ذو سعة أقل من 2 لتر.
و لذلك كان من الطبيعي أن تحاور أخبار السيارات دكتور سمير علي خبير السيارات للإجابة على الكثير من التساؤلات التى فى أذهان الكثير من المهتمين بالسيارات و هو لماذا اتجهت شركات السيارات العالمية إلى استخدام “الشاحن التوربيني” (Turbocharger ) أو “الشاحن الفائق” (Supercharger ) في سياراتها التي تعمل بالبنزين بكثافة ملحوظة مؤخرا؟
في هذه السطور يسلط دكتور سمير علي الضوء على بعض المعلومات الهامة و أهم الاسباب التي دفعت شركات السيارات العالمية لتركيب هذا النظام في العديد من سياراتها الحديث و إلى نص الحوار .:
بدأ دكتور سمير حديثه بأنه نظرا لأن معظم تقارير التنقيب و الأبحاث العلمية قد أفادت أن هناك انخفاض كبير في احتياطي البترول على مستوى العالم الأمر الذي يؤدي إلى عدم استقرار إنتاجه و حدوث تقلبات كثيرة في أسعاره بالإضافة الى زيادة أعداد السيارات المنتجة عالميا لتلبية الطلب المتزايد على شراء السيارات نتيجة للزيادة السكانية على مستوى العالم و ما يتبعه من زيادة استهلاك الوقود بالإضافة إلى المشاكل الخطيرة و المزمنة الناتجة عن التلوث من انبعاثات غازات العادم من السيارات.
- ماذا فعلت حكومات الدول الصناعية المتقدمة للحد من هذه الأثار ؟
فرضت الحكومات في الدول الصناعية المتقدمة حدودا صارمة للوصول إلى أدنى مستويات ممكنة من معدلات استهلاك الوقود و كذلك نسب التلوث من غازات العادم للحد من الأثار السلبية لها.
فعلى سبيل المثال قامت الولايات المتحدة بتطبيق نظام يسمى:
(CAFE) (Corporate Average Fuel Economy) بحيث لا تسمح بدخول أو استخدام السيارات في السوق الأمريكي الا بعد استيفاء شروط هذا النظام. و هو الذي اسهم بشكل كبير في خفض استهلاك الوقود و نسب التلوث هناك بشكل ملحوظ حيث انخفض معدل استهلاك الوقود من 8.6 لتر/ 010 كم في نهاية عام 2010 ليصل الى 5.7 لتر/ 100 كم في بداية عام 2016 .
و في يوليو عام 2011 قامت الولايات المتحدة الأمريكية و تحت رعاية الرئيس أوباما بدعوة أكبر 30 شركة عالمية منتجة للسيارات لعقد مؤتمر حول هذا الموضوع و كان من أهم نتائج هذا المؤتمر هو الاتفاق على خفض معدلات استهلاك الوقود في سيارات الركوب و سيارات النقل الخفيف ليصل الى 4.1 لتر/ 100 كم بحلول عام 2025 و بمعدل انخفاض يصل الى 5 % سنويا مع تطبيق عقوبات جدية على الشركات الغير ملتزمة بهذه الاتفاقية.
- تحديات كثيرة
إن الوصول إلى هذه المعدلات الصارمة يستلزم تطورا هائلا في تصميم و أدارة المحركات و كذلك خفض كبير في الوزن الاجمالي للسيارة و هذا الأخير غير ممكن حيث أن هناك حد أدنى لوزن السيارة مقارنة بمساحة سطحها على الأرض لا يجب تجاوزه حتى لا يؤثر سلبا على استقرار السيارة على الطريق و بالتالي على سلامة الركاب. كما أن السيارات الكهربائية أو الهجين (التي تعمل بالكهرباء و الوقود معا) مازالت تحتاج الى المزيد من الأبحاث العلمية لحل بعض المشاكل التقنية التي تعيق انتشارها على نطاق واسع لتحل محل السيارات التقليدية لتحقيق المواصفات المطلوبة.
أهم نتائج أبحاث تطوير الشاحن التوربينى ؟
لقد استعانت الكثير من شركات السيارات بأحد الحلول القديمة و الحديثة معا لتحقيق اشتراطات خفض الوقود و التلوث مع الاحتفاظ بنفس مستويات الأداء من حيث القدرة و العزم و التسارع للسيارة حتى لا تفقد القوة الشرائية لها و كان هذا الحل هو استبدال المحركات الكبيرة الحجم بأخرى صغيرة مع تزويد المحركات الصغيرة بنظام الشاحن التوربيني بحيث نحصل على نفس أداء المحرك الأكبر لكن مع خفض ملحوظ في استهلاك الوقود و التلوث و خاصة بعد الاستعانة بالوسائل التكنولوجية الحديثة لمعالجة أهم عيوب الشاحن التوربيني السابقة خاصة في محركات البنزين حيث جاءت نتائج الأبحاث لتثبت أن استخدام الشاحن التوربيني يزيد القدرة النوعية للمحرك بحوالي من 15 % الى 40 %.
فعلى سبيل المثال قامت احدى شركات السيارات باستبدال أحد محركاتها بسعة 2 لتر بأخر سعته 1.3 لتر فقط مزود بشاحن توربيني لتحصل على خفض في استهلاك الوقود بحوالي 12 % مع زيادة في قدرة المحرك ما بين 15 % الى 30 % و التي وصلت تقريبا لنفس قدرة المحرك الأكبر.
لذلك أريد من خلال هذا الحوارأن أقدم المزيد من التفاصيل الفنية عن هذا النظام الجديد الذي سيجدونه في سياراتهم حاليا أو قريبا مع ذكر أهم مزاياه و عيوبه و أهم وسائل الحفاظ على أداءه و الاستفادة القصوى منه.
- متى بدأ تركيب أول شاحن توربينى للسيارات ؟
لقد بدأ تركيب أول شاحن توربيني في السيارات بواسطة مؤسس احدى شركات السيارات الألمانية الشهيرة عام 1885 ثم بدأ تركيبه في محركات الطائرات و السفن اعتبارا من عام 1920 و خاصة و بكثرة في الطائرات حيث تم من خلاله التغلب على مشكلة انخفاض كثافة الأكسجين في طبقات الجو العليا كلما ارتفعنا عن سطح البحر حيث تبين انه على ارتفاع 5400 متر تنخفض كثافة الاكسجين في الهواء الجوي الى نصف قيمتها عند مستوى سطح البحر و هذا معناه أن المحرك سوف ينتج نصف قدرته على هذا الارتفاع و بالتالي يؤثر سلبا على أداء الطائرات.
فكرة عمل الشاحن التوربينى ؟
إن فكرة عمل الشاحن التوربيني بسيطة جدا حيث يتم ضخ كمية أكبر من الهواء الجوي إلى داخل المحرك و بضغط أعلى من الضغط الجوي بواسطة مضخة خاصة مما يحسن من الكفاءة الحجمية للمحرك و بذلك نضمن احتراق تام لجزيئات الوقود داخل المحرك و بالتالي يؤدي الى خفض نسبة استهلاك الوقود مع زيادة في قدرة المحرك بالإضافة الى انخفاض ملحوظ في نسبة المكونات الضارة في غازات العادم كما ذكرنا سابقا.
و يتم ضخ الهواء الجوي الى داخل المحرك حتى مستوى محدد لأنه إذا زاد الضغط عن هذه الحدود يمكن أن يؤدي الى تلف المحرك وذلك من خلال عدة طرق و من أهمها:
و كما هو موضح بالصورة, حيث يتم استخدام غازات العادم الناتجة من عملية الاحتراق الداخلي في المحرك لإدارة توربينة خاصة و التي تكون متصلة بضاغط للهواء (Compressor) لأدارته و بالتالي ضخ الهواء المضغوط إلى اسطوانات المحرك و يطلق على هذا النظام “الشاحن التوربيني” (Turbocharger) و المعروف اختصارا “التربو“.
- مزايا هذا النظام
من أهم مزايا هذا النظام الاستفادة من الطاقة المفقودة مع غازات العادم و إعادة استخدامها في زيادة قدرة المحرك و خفض نسب التلوث من محركات السيارات كما وضحنا في الصورة السابقة.
- أهم عيوبه
أهم عيوب هذا النظام هو انخفاض حجم غازات العادم بحيث لا تكفي لتشغيل التوربينة عندما تكون سرعة المحرك أقل من 1100 لفة / دقيقة و يظهر ذلك بوضوح في وجود فارق زمني كبير نسبيا ما بين ضغط قائد السيارة على دواسة البنزين و استجابة المحرك لذلك. كما أن الهواء المضغوط يحتاج الى إضافة نظام تبريد له قبل دخوله الى المحرك بالإضافة إلى أن تصنيع التربو يحتاج إلى مواد معالجة بشكل خاص لكي تتحمل درجات الحرارة العالية الناتجة من غازات العادم و خاصة في محركات البنزين.
معالجة مشاكل الشاحن التوربينى ؟
لقد ظهرت فكرة أخرى لعلاج هذه المشاكل و خاصة في السيارات التي تحتاج إلى عزم دوران عالي في بداية الحركة مثل شاحنات النقل الثقيل و هي “الشاحن الفائق أو السوبر” (Supercharger) حيث يتم تشغيل ضاغط الهواء مباشرة بواسطة سير متصل بالمحرك و هو الذي أظهر أهم عيوب هذا النظام حيث أن ذلك يستهلك جزءا من القدرة المضافة للمحرك مما جعل الفائدة النهائية له بسيطة مقارنة بنظام التربو.
و هنا ظهرت حاجة ملحة الى معالجة مثل هذه المشاكل الهامة في كلا النظامين حتى توصل العلماء لعمل نظام ثالث عبارة عن تركيب اثنين من الشاحن التوربيني معا على التوالي و هو ما أطلق عليه “الشاحن المزدوج أو التوأم” (Twin charger). حيث يتم تركيب شاحن توربيني صغير الحجم يعمل على سرعة المحرك المنخفضة ليضغط الهواء إلى الأكبر بحيث يتضاعف ضغط الهواء الخارج منهما معا إلى المحرك و بالتالي نحصل على الأداء المطلوب في كل من السرعات العالية و المنخفضة إلا أن هذا النظام يحتاج الى مساحة كبيرة للتركيب و بالتالي لا يصلح للمحركات الصغيرة و إنما يتم تركيبه بشكل أساسي في محركات الديزل الكبيرة.
- و هل يوجد طرق بديلة لمعالجة مشاكل هذا النظام و تصلح للمحركات الصغيرة ؟
اهتمت الأبحاث العلمية بإيجاد طرق بديلة لمزيد من التطوير لهذا النظام تصلح للمحركات الصغيرة و منها نوع يعمل عن طريق إدارة ضاغط الهواء بواسطة موتور كهربائي منفصل. و يتم التحكم في سرعة الموتور الكهربائي بواسطة وحدة التحكم الإلكتروني الخاصة بتشغيل محرك السيارات للحصول على أفضل أداء منه.
- لماذا اتجهت شركات السيارات لتركيب الشاحن التوربينى فى محركات البنزين بعد أن كان مقصورا تقريبا على محركات الديزل ؟
لقد كانت نتائج تركيب الشاحن التوربيني في محركات الديزل عظيمة جدا حيث أدى الى تحسين واضح في القدرة النوعية للمحرك و بالتالي تحسين نسبة قدرة محرك السيارة إلى وزنها و في نفس الوقت كانت هناك بعض المشاكل الفنية الصعبة عند تركيبه في محركات البنزين لذلك كانت نسبة المحركات الديزل التي تعمل بالشاحن التوربيني تمثل حوالي 90 % مقارنة بحوالي 10 % فقط لمحركات البنزين التي تعمل بالشاحن التوربيني حتى سنوات قليلة ماضية.
و لكن نظرا للفوائد العظيمة لهذا النظام في خفض استهلاك الوقود و التلوث و بأقل التكاليف و خاصة بعد التطور التكنولوجي الذي حل الكثير من المشاكل الفنية و خاصة في محركات البنزين وضعت الدول المتقدمة هدفا لمضاعفة نسبة محركات البنزين التي تعمل بنظام الشاحن التوربيني بحيث ترتفع الى 23 % بنهاية عام 2016 على أن يرتفع إجمالي عدد السيارات التي تعمل بالشاحن التوربيني (ديزل و بنزين) الى 40 % من إجمالي عدد السيارات المباعة في السوق الأمريكي بعد أن كان 10 % فقط عام 2012 في حين وضعت أوروبا هدفا أعلى حيث تستهدف أن يصل إجمالي عدد السيارات ذات الشاحن التوربيني الى 85 % من إجمالي السيارات التي تجري في شوارع دول اليورو بنهاية عام 2016 بعد أن كانت 65 % في نهاية عام 2012
لذلك حرصت معظم شركات تصنيع السيارات أن تتسابق لتحقيق هذه المستهدفات عن طريق التوسع في انتاج سيارات بمحركات صغيرة الحجم و مزودة بشاحن توربيني حفاظا على انتشار منتجاتها على مستوى العالم.
و يمكن ان نتعرف على طريقة عمل الشاحن التوربيني في السيارات كما هو موضح بشكل مبسط في الرسم التالي:
ولكي نحصل على أفضل أداء للشاحن التوربيني في السيارة يجب مراعاة الآتي:
- أولا يجب استخدام زيوت مخلقة (Fully Synthetic Oil) في محرك السيارة.
- الحرص على إجراء الصيانة الدورية في المواعيد المحددة من الشركة المصنعة دون تأخير قدر الإمكان.
- تسخين المحرك لمدة دقيقتين على الأقل قبل التحرك بالسيارة عندما يكون المحرك باردا.
- استخدام بنزين ذو رقم أوكتان عالي قدر الإمكان حيث انه كلما ارتفع رقم الأوكتان للوقود كلما حصلنا على عزم و كفاءة افضل لمحرك السيارة و كذلك تجنبنا حدوث “الصفع” داخل المحرك الذي يمكن أن يتسبب في تلف المحرك إذا استمر لفترات طويلة و خاصة مع تركيب التربو.
- عدم الاكتفاء بقيادة السيارة لمسافات و سرعات منخفضة فقط حتى و إن كانت طبيعة عمل قائد السيارة تتطلب ذلك بل يجب قيادة السيارة بسرعات عالية في حدود السرعات القانونية للطرق و لمسافات طويلة قدر الإمكان من وقت لأخر.