تكنولوجيا

كاميرات على رؤوس الشرطة المغربية تحارب الفساد والرشوة من السائقين

بعد تنامي انتشار فيديوهات تظهر تلقي أمنيين ودركيين لرشاوى بالطرقات المغربية، بادرت الأجهزة الأمنية إلى اتخاذ إجراءات من خلال وضع كاميرات على صدور أو رؤوس رجال الشرطة لمحاربة الفساد، وهو ما يطرح إشكالية خصوصية الفرد.

اهتزت مدينة الدار البيضاء في 21 يوليو على فيديو يظهر شرطيا يتلقى رشوة من سيدة في الشارع العام. وانتشر الشريط على نطاق واسع بمواقع التواصل الاجتماعي، كما شكل مادة خبرية لدى وسائل الإعلام الإلكترونية والمكتوبة. وأظهر الفيديو المرأة تستعطف رجل الأمن وتمده بمبلغ مالي مقابل عدم تسجيل مخالفة مالية لها نتيجة مخالفتها لقانون السير، فيما قامت صديقتها بتصوير الشريط.

وبعد مرور يوم واحد على انتشار الشريط، خرجت المديرية العامة للأمن الوطني بالرباط، ببلاغ نشرته وكالة المغرب العربي للأنباء الرسمية، تفيد فيه أن ولاية أمن البيضاء فتحت تحقيقا قضائيا تحت إشراف النيابة العامة في الفيديو الذي ظهر عبر الإعلام.

وأثناء التحقيق مع رجل الأمن اعترف بتلقيه المبلغ المالي من السيدة التي ظهرت معه في الفيديو. وأحيل على النيابة العامة لدى المحكمة الابتدائية بمدينة الدار البيضاء قصد متابعته بتهمة الارتشاء. وسيعرض الشرطي في الأسبوع الأول من أكتوبر أمام قضاة الحكم للنظر في التهمة المنسوبة إليه، بعدما منحته المحكمة السراح المؤقت.

019555563_40300

كاميرات فوق رؤوس رجال الأمن

بعدما انتشرت فيديوهات سابقة تظهر رجال الأمن الوطني يخرقون القانون في الشارع العام، قامت المديرية العامة للأمن الوطني بتركيب كاميرات فوق رؤوس رجال الأمن لتوثيق التدخلات. وأثار القرار ردود أفعال متباينة، بعدما أصبحت هذه الكاميرات لا تحارب الرشوة فقط، وإنما تدفع بالأمنيين لاحترام حقوق الإنسان بصفة عامة.

وقبل شهر انتشر فيديو جديد لدركي يوقف شخصا بالطريق السيار بين مدينتي البيضاء وأكادير (جنوب) في مكان ممنوع. والتقط الشخص فيديو للدركي في حالة تلبس بخرق القانون، وطالب الموقوف بحضور النيابة العامة وبفتح تحقيق في الموضوع. وبعد مرور أسبوع واحد على واقعة الإيقاف، حتى أجبر جهاز الدرك الملكي بالرباط العناصر التابعة له على وضع كاميرات على صدورهم لتوثيق التدخلات، والحد من التجاوزات الذي تقوم بها عناصر الجهاز.

من جهته يرى عز الدين أقصبي أستاذ جامعي وخبير في تتبع الفساد بالجمعية المغربية لمحاربة الرشوة أن هذه الفيديوهات تحد نسبيا من جرائم الرشوة واستغلال النفوذ. لكن الخبير ربط فعالية هذه الإجراءات بمجموعة من الشروط ضمنها التأطير القانوني لهذه الكاميرات. ويعتبر أقصبي أن هذه الوسائل لا تعتبر بمثابة حل “سحري” في مكافحة الفساد لأن الرشوة لها أنواع ومصادر تغذيها ومتشعبة في مجموعة من القطاعات الحكومية المغربية.

ويعتبر المتحدث ذاته أن المغرب يصعب فيه القضاء على الرشوة، رغم وجود مثل هذه الإجراءات، وأن محاربة الظاهرة تتطلب استراتيجية متكاملة، وأن يكون القضاء مستقلا بالبلاد، و لا يخضع لأي تأثيرات.

نتائج إيجابية

باتت المديرية العامة للأمن الوطني بالمغرب تتفاعل مع جميع الفيديوهات التي تظهر وجود عناصرها في أوضاع مشبوهة. إذ لا يكاد يُنشر فيديو دون إصدار بلاغ النفي أو التأكيد والإجراءات القانونية المتبعة. وأحالت مديرية الأمن منذ بداية السنة الجارية العديد من العناصر المحسوبة عليها على القضاء ليس فقط بسبب تورطهم في جرائم الرشوة، وإنما في مختلف التجاوزات الأخرى المرتبطة بتنظيم السير والجولان ومحاربة الجريمة.

ويؤكد محمد أكضيض العميد المتقاعد في جهاز الشرطة القضائية أن هذه الكاميرات باتت بمثابة وسيلة للتخليق وربط المسؤولية بالمحاسبة. ودافع الخبير الأمني الذي اشتغل في الشرطة ما يزيد عن 30 سنة، أن هذه الكاميرات أعادت الاعتبار لرجل الأمن الذي ظل يعاني وسط المجتمع من أنه “إنسان مرتشٍ” فقط.

ويربط أكضيض هذه الإجراءات بإعادة “الشفافية” للجهاز الأمني برمته، كما يعتبرها طريقا سليما لتطبيق مضامين الدستور المغربي الجديد الذي جرت المصادقة عليه سنة 2011، بعد خروج حركة 20 فبراير للاحتجاج والمطالبة بمحاربة الفساد والاستبداد. وزاد المتحدث ذاته أن هذه الإجراءات باتت ترصد ظواهر أخرى يصطدم بها الشرطي أثناء محاربته للجريمة، كما باتت بمثابة وسائل إثبات ضد الأشخاص الذين يرفضون أداء قيمة المخالفات المالية نتيجة مخالفتهم لقانون السير.

جدل حول حماية الحقوق الشخصية

ويعتبر أقصبي أنه لمحاربة الرشوة بهذه الإجراءات يجب مراعاة مجموعة من الشروط أولها حماية الحقوق الشخصية للفرد والمجتمع. ويحذر أقصبي من أن هذه الكاميرات يمكن أن تستغل لتصفية حسابات ضيقة ينتج عنه تحطيم سمعة الشرطي وسط المجتمع، وهو ما يستوجب برأيه إشراك فعاليات حقوقية في استعمال هذه البدائل لمحاربة الفساد.

يؤكد محمد أكضيض العميد المتقاعد في جهاز الشرطة القضائية أن الكاميرات التي ترتديها الشرطة باتت بمثابة وسيلة للتخليق وربط المسؤولية بالمحاسبة.

لكن الأهم الذي يراه الخبير أنه لمحاربة الرشوة لا بد من ضرورة وجود الإرادة السياسية قبل وضع الكاميرات، مضيفا أن الواقع المغربي والتقارير الدولية والوطنية تؤكد بجلاء على أن “الإرادة في محاربة الفساد بالمغرب ما زالت ضعيفة”.

من جانبه اعتبر الخبير الأمني أكضيض أن المرحلة الحالية شهدت أكبر نسبة في تاريخ المؤسسة الأمنية من حيث إحالة ملفات رجال الشرطة على القضاء وعلى مصالح التأديب والتي تجاوزت حوالي 4000 رجل أمن يشتبه في تورطهم في قضايا مختلفة. وهو ما يجسد بحسب رأيه وجود نية لدى الجهاز في محاربة الفساد، وبأهمية هذه الكاميرات.

كاميرات تظهر محاولات رشوة الشرطة

من الغرائب التي سجلتها كاميرات مجموعة من رجال الشرطة أن الكثير من المغاربة الذين يخالفون القانون يرغبون في منح رشوة لرجال الأمن قصد إفلاتهم من العقاب. ويرى أكضيض أن المصالح الأمنية اعتمدت السنة الماضية كذلك كاميرات في الطرقات العمومية لتسجيل الأشخاص الذين يرفضون الامتثال لعناصر الأمن، وسجلت هذه الكاميرات برأيه أن الكثير من المخالفين للقانون يرفضون هذه الكاميرات ويريدون حلا سريعا ولو على حساب خرق القانون.

ويضيف الخبير الأمني أن المصالح الأمنية أحالت السنة الماضية على النيابة العامة العديد من السائقين بتهمة محاولة رشوة عناصر شرطة المرور، وعرضت ملفاتهم على مجموعة من المحاكم.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى