العصر الذهبي لصناعة السيارات اليابانية .. وأفلام الاكشن والالعاب الالكترونية
شهدت صناعة السيارات اليابانية عصرا ذهبيا علي مدار سنوات طويلة، حيث حازت السيارات الرياضية اليابانية التي تم إنتاجها في الثمانينيات والتسعينيات من القرن الماضي علي شعبية كبيرة في جميع أنحاء العالم، وجذبت اهتمام العديد من هواة جمع السيارات، وخاصة في الولايات المتحدة.
وقد قامت شركات صنع السيارات اليابانية بتطوير سيارات رياضية جذابة، ومدعومة بموارد مالية وفيرة، وكانت فترة التسعينيات من القرن الماضي بمثابة بداية لما يمكن أن نطلق عليه الفترة الذهبية، حيث كانت جميع السيارات الرياضية اليابانية في ذلك الوقت عالية الأداء كالسيارات الرياضية الأوروبية الفاخرة مثل بورشه، وكانت أرخص منها نسبيا، لذلك اكتسبت شعبية كبيرة. وقد مرّ الآن على ذلك خمسة وعشرون عاما.
ومن ناحية أخرى، فقد أصبحت لوائح غازات العادم في السيارات أكثر صرامة عاما بعد عام، وتتقدم الجهود المبذولة لتكون السيارات محايدة للكربون بسرعة، لذلك فإن السيارات الرياضية التجارية ذات المحركات والأداء السحري على وشك الانقراض. ولهذا السبب، ليس من المستغرب أن تحظى السيارات الشهيرة من تسعينيات القرن الماضي بشعبية كبيرة. فحتى بعد مرور ربع قرن على صدورها، فإن بريقها لم يخفت حتى الآن كمنتج متفرد، وسنقوم بإلقاء نظرة عميقة على جاذبية مثل هذه السيارات، والتعريف بنماذج بارزة من المرجح أن تصبح أكثر شعبية في المستقبل بفضل تأثير ”قاعدة الخمسة وعشرون عاما“.
طفرة السيارات الرياضية
قادت نيسان طفرة السيارات الرياضية من خلال حملتها الإعلانية ”حركة 901“. وكانت حركة 901 تهدف إلى ”صنع سيارة تهدف إلى أن تكون الأفضل في العالم من الناحية التكنولوجية بحلول التسعينيات“، وبالعودة بالزمن قليلا إلى الوراء حتى عام 1988، قامت شركة نيسان بالإعلان عن سيارة سيلفيا (SILVIA) التي أقبل الشباب عليها كسيارة رائدة في سيارات المواعدة الغرامية، وتم تجهيز سيارة السيدان الفاخرة سيما (CIMA) بمحرك عالي القوة، وأظهر أداء تسارع ينافس أداء السيارة الرياضية.
سيارة نيسان سيلفيا التي صدرت في شهر مايو من عام 1988، شكلها الأنيق جعلها تحظى بشعبية كبيرة كسيارة مواعدة غرامية، وباعتبارها سيارة ذات دفع خلفي بسعر في متناول اليد فقد أصبحت أيضا ذات شعبية بين الشباب ”مُحبِّي السرعة“.
وفي العام التالي 1989، تم إصدار سيارة (Fairlady Z)، التي وصلت لأول مرة إلى قوة 280 حصانا تساوي الحد الأعلى للتقييد الذاتي الذي استمر لفترة طويلة بعد ذلك, وعلاوة على ذلك، فقد تم إدخال سيارة (Skyline GT-R) إلى السوق، والتي تم تطويرها بهدف الفوز بفئة المجموعة A من سباق ”JTC (بطولة اليابان للسيارات السياحية)“، حيث كانت تكتسب شعبية كفئة سيارة سباق في ذلك الوقت، وأحيت اسم (R = Racing)“ كاسم فئة لأول مرة منذ ستة عشر عاما.
سيارة نيسان فيرليدي Z التي تم إصدارها في شهر يوليو من عام 1989، سيارة رياضية تقليدية تمثل العلامة التجارية، وأصبحت ذات طراز طويل الأمد تم بيعه حتى عام 2000.
سيارة نيسان سكايلاين GT-R (نوع BNR32) التي تم إصدارها في شهر أغسطس من عام 1989، تم بيع أكثر من 40 ألف سيارة منها بحلول نهاية عام 1994.
وقد جذبت سيارة سكايلاين GT-R على وجه الخصوص قدرا كبيرا من الاهتمام من الدول الأجنبية أيضا، ونظرا لأنها كانت سيارة مخصصة للسوق اليابانية حصرا، فقد كانت سيارة رياضية عالية الأداء، وظل جوهرها الحقيقي مخفيا، إلا أن أدائها العالي كان معروفا على نطاق واسع في جميع أنحاء العالم بناء على معلومات مجزأة من المجلات والمصادر الأخرى، وفي الولايات المتحدة التي كان فيها الاهتمام بهذه السيارة مرتفعا على وجه خاص، كان يُنظر إلى سكايلاين GT-R على أنها وحش صنعته اليابان، إلى درجة أنه تم إطلاق لقب ”جودزيلا (GODZILLA)“ عليها.
وبعد ذلك وفي عام 2014 تم الحصول على سيارات سكايلاين GT-R، التي تلبي متطلبات قانون الخمسة وعشرين عاما، من قبل هواة جمع السيارات في الدول الأجنبية وخاصة في الولايات المتحدة مرة واحدة. وارتفعت الأسعار بشكل كبير في سوق السيارات المستعملة في اليابان، وعلى الرغم من أنها تجاوزت ذروتها، إلا أنها لا تزال مستقرة عند سعر مرتفع حتى الآن.
وفي التسعينيات من القرن الماضي، عندما تم إنشاء مثل هذا الأساس، بدأت شركات تصنيع السيارات الأخرى غير نيسان بتطوير وبيع السيارات الرياضية بشكل جدي،وظهرت السيارات الشهيرة التي لا تزال تحظى بدعم المعجبين واحدة تلو الأخرى مثل تويوتا سوبرا، مازدا RX-7، هوندا NSX/سيفيك/إنتيجرا، ميتسوبيشي لانسر إيفوليوشن/GTO/FTO، سوبارو إمبريزا وغيرها.
سيارة تويوتا سوبرا التي تم إصدارها في شهر مايو من عام 1993. ظهرت هذه السيارة في فيلم ”السريع والغاضب“ (The Fast & Furious) وتحظى بشعبية كبيرة خاصة في أمريكا الشمالية.
سيارة مازدا RX-7 التي تم إصدارها في شهر أكتوبر من عام 1991. مجهزة بمحرك دوار فريد من نوعه، وتم بيعها في البداية تحت العلامة التجارية أنفيتني.
سيارة هوندا NSX التي تم إصدارها في شهر سبتمبر من عام 1990. كانت سيارة رياضية كاملة مع محرك في وسطها، وهيكل مصنوع بالكامل من الألومنيوم.
سيارة ميتسوبيشي لانسر إيفوليوشن التي تم إصدارها في شهر سبتمبر من عام 1992، بعد ذلك، وخلال خضوع طرازها لتغييرات متكررة، اكتسبت شعبية كسيارة رياضية حتى طراز لانسر إيفوليوشن إكس الذي توقف بيعه في عام 2015.
سيارة سوبارو إمبريزا التي تم إصدارها في شهر نوفمبر من عام 1992، ظهرت لأول مرة في بطولة العالم للراليات (WRC) في عام 1993.. ومنذ عام 1995، فازت بثلاث بطولات متتالية، وقامت بتثبيت صورة العلامة التجارية الرياضية لها.
وتم إطلاق اسم ”العقد الضائع“ على فترة التسعينيات بعد انفجار الفقاعة الاقتصادية، وذلك إشارة إلى الركود الاقتصادي الكبير، ولكن عندما يتعلق الأمر بسوق السيارات الجديدة المحلية، فمن الأنسب أن نطلق على هذه الفترة اسم ”العقد المعجزة“. حيث لم تكن هناك فترة قبله ولا بعده كانت فيها تشكيلة السيارات الرياضية بهذا التنوع.
فبالإضافة إلى أموال التطوير الوفيرة، شاركت كل شركة مصنعة للسيارات بجد في منافسة ودية، وعكست السيارات الرياضية في التسعينيات بقوة الدقة والحس الجمالي الفريد لليابانيين، مثل التبني النشط لأحدث التقنيات، والسعي لتحقيق الجودة وصولا إلى أدق التفاصيل، وهذا لم يتلاش أبدا على مر السنين، بل برز في الواقع كسمات فريدة لا يمكن توقعها من سيارات اليوم. ومن الطبيعي أن يلاحظ عشاق السيارات في الولايات المتحدة وحول العالم هذا الأمر، ويولون اهتماما حماسيا للسيارات الرياضية اليابانية التي تم تصنيعها في التسعينيات.
تأثير الألعاب الإلكترونية
من ناحية أخرى، في الولايات المتحدة، اشتعلت شعبية السيارات الرياضية اليابانية من خلال النجاح الكبير لمحاكاة القيادة الحقيقية في لعبة الفيديو ”جران تورزمو“ وفيلم ”السريع والغاضب“ (كلاهما تم تحويلهما إلى سلسلة وإنتاج العديد من الأجزاء منهما).
فقد حققت ”جران تورزمو“ التي تم إصدارها في عام 1997، نجاحا كبيرا حيث تم بيع أكثر من تسعين مليون نسخة حول العالم منها، والسيارات التي تظهر فيها هي نسخ طبق الأصل للسيارات الفعلية، وتم أيضا تسجيل الحلبات الحقيقية والطرق الفعلية كمضمار فيها، ونتيجة لذلك، حتى لو لم نتمكن فعليا من ركوب تلك السيارات، فإنه يمكن الحصول على تجربة محاكاة قريبة من الواقع قدر الإمكان في داخل اللعبة، الأمر الذي زاد شعبية السيارات الرياضية اليابانية.
تم تصوير سكايلاين GT-R كما لو كانت سيارة حقيقية في لعبة الفيديو”جران تورزمو 7“ الخاصة بجهاز بلاي ستيشين 5 وبلاي ستيشين 4، طراز ذو شعبية بطبيعة الحال بين أحدث إصدارات اللعبة.
”جران تورزمو 7“ عبارة عن لعبة محاكاة قيادة حقيقية متكاملة وهي أيضا على شكل رياضات إلكترونية. تحتوي على أكثر من ستين علامة تجارية للسيارات، وأكثر من أربعمئة طراز سيارة، و37 موقعا، و108 مضمارا للسباق.
تم عرض أول جزء من سلسلة فيلم ”السريع والغاضب“ في عام 2001، واكتسب شعبية باعتباره فيلم حركة سيارات يتمحور حول سباقات الشوارع غير القانونية، وتم إصدار الجزء العاشر من السلسلة مؤخرا، ويعرض الفيلم عددا من السيارات المخصصة والمُعدلة على أساس السيارات الرياضية اليابانية، والسيارة المفضلة لدى البطل بريان أوكونور هي سيارة سوبرا البرتقالية الفارهة في الجزء الأول، وسيارة سكايلاين GT-R الفضية، وسيارة لانسر إيفوليوشن الذهبية في الجزء الثاني، كما كان دومينيك صديق أوكونور يركب سيارة RX-7 في الجزء الأول.
وبالإضافة إلى ذلك، كان الجزء الثالث من سلسلة أفلام ”السريع والغاضب“ يُسمى ”قيادة طوكيو“ (TOKYO DRIFT)، وتم تصويره في اليابان التي يمكن القول إنها واحدة من القوى الرائدة في العالم في مجال تعديل السيارات وضبطها، وطوال السلسلة، كانت السيارات الرياضية الرائدة في اليابان مثل سيلفيا، وفيرليدي Z، وNSX، وسيفيك، وإنتيجرا (Integra)، تظهر عبر الشاشة.
وكان تأثير سلسلة ”السريع والغاضب“ كبيرا، لدرجة أنه تم لاحقا خلق نوع معدَّل من السيارات يُسمى ”JDM“ في الولايات المتحدة، وتعني كلمة JDM في الأصل السوق المحلية اليابانية، أي ”سوق اليابان“، ولكنها في الواقع تعتمد على السيارات الرياضية اليابانية المدمجة مثل سيفيك وإنتيجرا، ويتم استخدام هذا المصطلح كمصطلح عام للإشارة إلى السيارات التي خضعت للتعديل والضبط الفريد الذي يعطي تفسيرا لأذواق المواصفات اليابانية على الطريقة الأمريكية.
وبالنظر إلى خريطة العالم، فإن اليابان هي أرخبيل جزر صغير في الشرق الأقصى، ولكن لديها ثماني شركات مصنعة للسيارات، وجودتها وتقنيتها الفائقة، ومتانتها العالية وغير ذلك أمر مسلّم به في جميع أنحاء العالم، وخاصة السيارات الرياضية من تسعينيات القرن الماضي، والتي جذبت الكثير من الاهتمام، بما في ذلك أداؤها.
ثورة أخرى
يُعد إجراء الضبط لزيادة تحسين أداء السيارات الرياضية أيضا إحدى الثقافات التي تفتخر بها اليابان في العالم. وتكمن جذورها في سباقات ”الجولات الصغيرة“ التي كانت شائعة في السبعينيات من القرن الماضي، والتي تم التنافس فيها باستخدام سيارات ذات سعة 1300 سم مكعب أو أقل، وبدأ تعديل السيارات من أجل زيادة قوتها الحصانية وسرعتها من خلال تقليد ما يراه الناس.
ولكن، في ذلك الوقت، كان تعديل السيارات التجارية يُعتبر غير قانوني، ويخضع من يقوم به للتحقيق من قبل الشرطة. ومع ذلك، فقد تطور الضبط الياباني بشكل مطرد سرا، مما أحدث ثورة كبيرة من الثمانينيات وحتى التسعينيات من القرن الماضي.
وكانت نقطة التحول الرئيسية هي قانون نقل المركبات على الطرق الذي دخل حيز التنفيذ في عام 1995، وتخفيف القيود التنظيمية على قطع غيار السيارات. وتم تقنين الضبط بالكامل تقريبا، والذي كان غير قانوني حتى ذلك الحين، مما خلق بيئة يمكن فيها لعدد أكبر من المستخدمين الاستمتاع بالتعديل والضبط بحرية. وغني عن القول إن السيارات الرياضية في التسعينيات هي التي لعبت الدور الرئيسي في ذلك.
سيارة نيسان سكايلاين GT-R (طراز BNR34) التي تم إصدارها في شهر يناير/كانون الثاني من عام 1999. كانت آخر سيارة GT-R مزودة بمحرك ذي ست أسطوانات. © نيسان.
سيارة هوندا S2000 التي تم إصدارها في شهر أبريل/نيسان من عام 1999. كانت آخر سيارة رياضية من طراز FR من هوندا بعد تسعة وعشرين عاما. © هوندا.
وبالأخذ بعين الاعتبار قانون الخمسة وعشرين عاما الذي سيتم تطبيقه قريبا، فإن ما يجب الانتباه إليه الآن هو السيارات الرياضية التي ظهرت بين عامي 1998 و1999. وأهمها الطراز الذي يُدعى R34 من سيارة سكايلاين GT-R، والذي قد وصل سعر السيارة المستعملة منه إلى عشرات ملايين الينَّات. كما أنه ليس هناك شك في أن طراز سيدان الرياضي FR (دفع خلفي) النادر في اليابان من سيارة تويوتا ألتيزا، وسيارة هوندا S2000، وهي سيارة رياضية مفتوحة بالكامل، وذات مقعدين، ومجهزة بمحرك عالي السرعة والأداء، ستزداد شعبيتها أيضا.
لقد كان للسيارات الرياضية اليابانية منذ تسعينيات القرن الماضي تأثير كبير على ثقافة السيارات على نطاق عالمي، ودائما ما تتم متابعة آخر أخبارها من قبل عشاق السيارات. وفي بيئة يمكننا فيها الاستمتاع بهذه السيارات، ليس كسيارات مستوردة، ولكن كسيارات محلية، لا يسعنا نحن اليابانيون إلا أن نشعر بسعادة غامرة.