مطرقة هواجس البيئية تضرب معرض فرانكفورت للسيارات
احتدم الجدل في دورة هذا العام لمعرض فرانكفورت للسيارات، والذي تختتم فعالياته السبت المقبل، حول التداعيات “المدمّرة” بشأن استمرار الشركات في الإخلال بالتزاماتها المتعلقة بالبيئة.. واستقبلت الأوساط البيئية الألمانية فعاليات أقدم معرض بالبلاد على طريقتها المناوئة لشركات السيارات أحد المتهمين الرئيسيين في التأثير على المناخ.
وفتح المعرض أبوابه الخميس الماضي بعد يومين من تقديمه بشكل خاص للصحافيين وسط اعتراضات النشطاء البيئيين وامتناع البعض من أكبر المصنعين عن المشاركة، بالإضافة إلى مشاكل أخرى تخيّم على الحدث.
واستغل العشرات من النشطاء الحدث بالتعبير عن رفضهم للسياسات المتبعة في هذا المضمار بطريقتهم الخاصة باعتلاء أسطح الموديلات المعروضة في أروقة الصالون.
وتُوجه أصابع اتهام النشطاء والعلماء البيئيين إلى كبار صناع السيارات لمساهماتهم في رفع درجات الاحتباس الحراري ويُطالبهم البعض بسياسات تصنيعية تكون أكثر ملاءمة للمشاة والدراجين.
وتأتي الاعتراضات في وقت تسابق فيه كبرى الشركات الزمن من أجل استيفاء الشروط والمعايير الأوروبية الجديدة بشأن انبعاثات غاز ثاني أكسيد الكربون التي يطالب الاتحاد الأوروبي بتطبيقها بدءا من عام 2021.
استبق مسؤولو كبرى شركات السيارات افتتاح المعرض بمحاولات لتبديد المخاوف البيئية، التي مسّت من سمعة المصنعين وخاصة الألمان.. وسعت بي.أم.دبليو ودايلمر وفولكس فاجن للرد على فضيحة عوادم الديزل، التي تم الكشف عنها قبل ثلاث سنوات عبر رسم خط دفاع يبدو للوهلة الأولى متماسكا، تجسّده ابتكارات مستقبلية، أمام شيطنة قطاع واجه انتقادات لاذعة من المعنيين بشؤون البيئة.
ونسبت صحيفة هاندلسبلات الألمانية لرئيس مجلس العاملين في فولكس فاجن بيرند أوسترلو، قوله إنه “إذا نظرت للنقاش العام الدائر حاليا، ستعتقد أن السيارات ليست إلا مخاطرة”.
وأضاف “ولكن بالنظر إلى مقياس المخاطر، يبدو أن السيارات تقع في مكان ما بين فيروس إيبولا وصواريخ كوريا الشمالية”.
ولم تطفئ محاولات استعادة الثقة غضب المدافعين عن البيئة، إذ تنامت حشود المتظاهرين مع انطلاقة هذا الحدث السنوي قرب المعرض للمطالبة بحماية المناخ بدلا من حماية السيارات الرباعية الدفع.
ومع ذلك تعهدت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل خلال افتتاح المعرض بدعم قطاع صناعة السيارات الألمانية، والذي تؤكد على أنه يشهد “ثورة”.. ولكنها ترى في المقابل أن على الشركات المنتجة أن تواجه التحدي المناخي وتستعيد ثقة المستهلكين التي تزعزعت جراء فضيحة “ديزل غايت”.
وقالت “أعتقد أنه سيكون من الخطأ أن نظن أنه بوسعنا اقتراح برامج مساعدة تقدمها الدولة تتماشى مع ابتكارات السنوات العشر المقبلة” في مجال خفض انبعاثات ثاني أكسيد الكربون. وأضافت “لا نعلم كيف تسير الثورات؟”.
ويواجه قطاع صناعة السيارات في ألمانيا سيلا من الانتقادات لأنه عاجز عن خفض انبعاثات الكربون، حيث تقع على عاتقه مهمة شاقة للتقليل من تلك العوادم بنسبة 40 بالمئة بحلول 2030.
وتوجهت ميركل إلى مصنعي السيارات بالتأكيد على أن “بلوغ هذا الهدف مهمة هائلة لنا ولكم خصوصا وأن ثقة المستهلكين انهارت بسبب الأنظمة غير المقبولة في التلاعب بمحركات الديزل التي استخدمها مصنعون”.
وتابعت “لذا من العادل والمهم أن يثبت القطاع الآن أنه موضع ثقة”. ودعت أيضا إلى التنويع في هذا المجال مع تطويره خصوصا في ما يتعلق بالمحركات الكهربائية، موضحة أن هذه الخطة لها “ثمن”.
واستغلت بعض الشركات الثغرات في الضوابط القانونية المتعلقة بقياس انبعاثات العوادم، مما أدى ليس فقط إلى إلحاق الضرر بنفسها، بل خذلت المستخدمين والسلطات بشكل خاص.
ومع أن تلك الأخطاء حصلت من قبل أقلية في قطاع السيارات، إلا أن الجميع متفق في الوقت الحالي على أنه لا بد من بذل كل ما في الإمكان لاستعادة المصداقية والثقة بأقصى سرعة ممكنة.
ورغم مرور أكثر من ثلاث سنوات على فضيحة تزوير انبعاثات عوادم الديزل بسيارات فولكسفاغن والتعويضات الكبيرة التي وافقت على تسديدها، إلا أن الأزمة ما زالت تكبر يوما بعد يوم وتتسع معها الآثار الاقتصادية العميقة.
وكانت مجلة فورين بوليسي الأميركية قد نشرت تقريرا يؤكد أن الفضيحة أصبحت تهدد الاقتصاد الألماني، الذي تمثل فيـه صناعة السيارات مركز الزاوية.
وأشارت إلى أن ألمانيا اكتسبت مكانتها الدولية من قوتها الاقتصادية، وخاصة قوة شركات صناعة السيارات.
ولكنها قالت إن “الهندسة والموثوقية الأخلاقية بصناعة السيارات وصلابة الاقتصاد الألماني بأكمله، باتت محل شك اليوم، سواء في الداخل أو الخارج”.
ووسط كل ذلك، استطاع معظم المصنعين المشاركين في المعرض إبهار الزوار بأيقونات اختبارية غاية في الروعة أعطت نظرة شاملة على مستقبل التنقل الصديق للبيئة مستقبلا.
وتشمل السيارات الصديقة للبيئة الفئات الهجينة والكهربائية الهجينة والكهربائية، التي يعمل أغلبها بالبطاريات أو بالوقود الأحفوري الأقل تلويثا أو من دونه وتكون جميع أجزائها مصنوعة من المكونات الحديثة.تتسابق الشركات العملاقة لابتكار مركبات تتماشى والاتجاه العام في هذا المجال، حيث بات الشغل الشاغل لها هو كيفية صناعة مركبات صديقة للبيئة بالكامل لتقليل الانبعاثات وتقليص الاعتماد على محركات الاحتراق الداخلي في المستقبل.
وكشفت شركة أودي النقاب عن سيارتها الكهربائية الاختبارية الجديدة أي.آي تريل كاترو، والتي تستشرف مستقبل مركبات الأراضي الوعرة.
وتعتمد السيارة التي تتسع لأربعة أشخاص إلى حد كبير على نظام القيادة الآلي سواء على الطرق الممهدة أو الوعرة.
وتنبض بداخل السيارة 4 محركات كهربائية مثبّتة على العجلات، والتي تزأر بقوة 435 حصانا، بينما يبلغ عزم الدوران الأقصى ألف نيوتن متر.. ويتراوح مدى السير بين 400 و500 كم، في حين تم تحديد السرعة القصوى عند 130 كم/س.
وتمتاز السيارة الاختبارية بتصميم يستشرف المستقبل، حيث يتم التحكم في وظائف السيارة عبر الهواتف الذكية، كما تم تقليص حجم المقود ليصبح كأنه “قرن تحكم”، بينما تتمتع لوحة القيادة بتصميم نحيف جدا.
وتم تجهيز هذه الأيقونة المذهلة بمنظار بدلا من الكاميرا الداخلية، كما أن المقاعد الخلفية تم تصميمها على شكل أرجوحات شبكية يمكن تعليقها على شجرة خلال النزهات.
ومن التجهيزات المتفردة بالسيارة الاختبارية استبدال الكشافات بحوامتين أل.إي.دي، واللتان تحلقان أمام السيارة لتضيئا الطريق أمامها.
أما مرسيدس، فوضعت خبرتها الطويلة في صناعة السيارات الفاخرة في الاختبارية إي.كيو أس فيجن التي خطفت الأنظار في فرانكفورت.
وزودت الشركة الألمانية هذه المركبة بسواعد محركين كهربائيين بقوة إجمالية تبلغ 476 حصانا، مع عزم دوران أقصى يبلغ 760 نيوتن متر.
وبفضل هذه القوة تنطلق السيارة الاختبارية من الثبات إلى سرعة 100 كم/س في غضون 4.5 ثانية، بينما تتخطى سرعتها القصوى حاجز 200 كم/س.. كما تم تجهيز السيارة الاختبارية ببطارية سعة 100 كيلوواط ساعة، والتي تتيح بلوغ مدى سير يصل إلى 700 كم.
وعلى الصعيد الشكلي تتمتع السيارة الصالون، التي يزيد طولها عن خمسة أمتار، بخطوط تصميمية انسيابية ومفهوم إضاءة محيطية مبتكر ومفاهيم إضاءة داخلية بديعة.
وبالإضافة إلى ذلك سعت مرسيدس كالعادة إلى ترسيخ مفهوم استعمال مستقبلي يعتمد على شاشات عضوية كبيرة الحجم في هذه الأيقونة التي يتوقع طرحها في غضون عامين لتتربع على عرش موديلات عائلة إي.كيو الكهربائية.
ودخلت شركة سيات الإسبانية هذا السباق بالكشف عن سياراتها الاختبارية كوبرا تافزكان التي تنتمي إلى الموديلات الكوبيه متعددة الأغراض ضمن الفئة المتوسطة.
وتعتمد السيارة على سواعد محرك كهربائي على كل محور بقوة إجمالية 306 حصانا، وتنطلق من الثبات إلى سرعة 100 كم/س في غضون 6.5 ثانية.. وتم تزويد المركبة ببطارية مركبة بقاع السيارة سعتها 77 كيلوواط ساعة تكفي لبلوغ مدى سير يصل إلى 450 كم. ولم تفصح سيات عن فرص دخول السيارة الاختبارية الكهربائية مرحلة الإنتاج القياسي.
تجهيزات ذكية
أجبرت التكنولوجيا المصنعين على السير في طريق إحداث انقلاب شامل في شكل وتصميم السيارات تشمل بالأساس تغيير معادلات التنقل وزرع كافة التقنيات الحديثة في تجهيزاتها، والتي يتوقّع أن يتم تجسيدها على أرض الواقع في غضون سنوات قليلة.
وتنظر معظم الشركات، التي ركّزت في السنوات الأخيرة على مركبات توفر تجربة ممتعة للقيادة، إلى ما وراء سيارات الاستخدام الشخصي بسبب تحوّل الصناعة مع وصول تقنيات القيادة الذاتية والكهربائية.. وجسدت شركة كونتيننتال الألمانية هذا التوجه حين أزاحت الستار خلال المعرض عن شاشة جديدة تحول قمرة القيادة إلى مكتب جوال.
وتقوم منصة إنترغريتد انتريور بلاتفورم، والمعروفة اختصارا باسم آي.آي.بي، بعرض البيانات المتعلقة بقيادة السيارة والتطبيقات المكتبية مثل البريد الإلكتروني والهاتف والرسائل في نفس الوقت، كما أنها تقوم بالتحكم في العديد من الشاشات في القمرة.
وإذا كان السائق يتولى مهمة قيادة السيارة، فتظهر له الشاشة الجديدة بعرض السيارة بالكامل، حيث تظهر للسائق الشاشات التقليدية الخاصة ببيانات القيادة وصورة لمرآة الرؤية الخلفية، التي تعتمد على الكاميرات.
ويتم التحكم في وظائف الشاشة التي تتكون من عدة شاشات توجد تحت سطح زجاجي مشترك، عن طريق الإيماءات، حيث يمكن بحركة واحدة عرض محتويات خارطة الملاحة فائقة الدقة على الشاشة.
وعند تشغيل وظيفة القيادة الآلية ترتفع الشاشة إلى أعلى وتظهر التطبيقات المكتبية، ويمكن للراكب الأمامي أيضا الاستفادة من جميع الخدمات الرقمية.. وكانت هيونداي الكورية الجنوبية إحدى أبرز الشركات، التي لفتت الأنظار بتقديمها أيقونتها الرياضية الصغيرة آي 10، إذ تزخر قمرتها بأنظمة أبل كار بلاي وأندرويد أوتو لدمج الهواتف الذكية في السيارة.
ومن المتوقع أن يعتمد الموديل الأقوى من السيارة على محرك بقوة 100 حصان، وقد تم تجهيزه بالعديد من أنظمة السلامة ووظائف الراحة ومساعد الكبح الاضطراري مع وظيفة التعرف على المركبات والمارة.